فوائد حديث : ( ... يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم قال : قلت : الله ورسوله أعلم قال : يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم قال : قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال : فضرب في صدري وقال : والله ليهنك العلم أبا المنذر ) . حفظ
الشيخ : وفي حديث أبي بن كعب أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال له ( ليهنك العلم ) حيث أنه رضي الله عنه قال أعظم آية هي آية الكرسي، ووجه ذلك أن هذه الآية فيها صفات من صفات الله كل الصفات، لأن قوله تعالى (( الحي القيوم )) تتضمن جميع الصفات، ولهذا ذهب بعض أهل العلم وورد في أحاديث أن الحي القيوم هو الإسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب وإذا سئل أعطى، فللنظر إلى الآية الكريمة، (( الله لا إله إلا هو )) هذه فيها إنفراد الله تعالى بالألوهية لا إله إلا هو، والألوهية هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل كما قال تعالى (( وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) وهو لازم لزوما لا محيد عنه، لكل من أقر بتوحيد الربوبية، فإن من أقر بتوحيد الربوبية لزمه أن يقر بتوحيد الألوهية ولهذا يستدل الله تعالى بإقرار هؤلاء المشركين الذين يشركون بالألوهية دائما يحتج عليهم بإقرارهم بالربوبية، وقوله (( الحي القيوم )) الحي هذه اسم من أسماء الله محلى بأل فيقتضي أنه ذو حياة كاملة لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء، متضمنة لجميع كمال الصفات، الحي وهو وصف لازم لله عز وجل، والقيوم يعني ذو القيامة على عباده كما قال تعالى (( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت )) وهو تعالى قائم بنفسه فهو قائم بنفسه قائم على غيره، والقيوم على وزن فيعول فهو صفة مشبهة ثابتة لله عز وجل، وبهذين الإسمين المتضمنين للصفات العظيمة يتبين قدر عظم آية الكرسي، ثم قال لا (( تأخذه سنة ولا نوم )) أي لا يمكن أن ينام ولا أن تأخذه السِنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ) سبحانه وتعالى، وذلك لأن النوم صفة نقص لا يعتري إلا من هو ناقص الحياة لأنه يحتاج في النوم إلى رفع التعب السابق، وتجديد القوة اللاحقة فهو دليل على النقص، ولهذا كان أهل الجنة لا ينامون، وسمى الله تعالى النوم وفاة وهذا دليل على نقص النوم ولهذا ينزه الله عنه، فإذا قال قائل أليس من القاعدة المقررة أن الله تعالى لا يوصف بالنفي؟ قلنا بلى إن الله لا يوصف بالنفي المجرد لكن كل نفي وصف الله به نفسه فهو يعني كمال ضده، فهو لا ينام لا تأخذه سنة ولا نوم لكمال حياته وكمال قيوميته، لكمال حياته لا يحتاج إلى نوم لأنه كامل الحياة، وقيوميته لأنه لو نام وحاشاه جل وعلا وحاشاه من ذلك من يدبر الخلائق؟ فهو جل وعلا لا ينام ولا تأخذه السنة أيضا وهي مقدمة النوم، (( له ما في السماوات وما في الأرض )) هذا فيه عموم ملكه واختصاصه بهذا العموم، أما العموم فلأن ملك مفرد مضاف فيكون للعموم، وأما الإختصاص فهو حاصل بتقديم الخبر (( له ما في السماوات وما في الأرض )) و" ما " هذه كما هو معروف اسم موصول يفيد العموم، ففيها عموم الملك واختصاص الله به، العموم من ما الإسم الموصول والثاني من تقديم الخبر، له ما في السماوات وما في الأرض، (( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه )) هذه فيها الجملة كمال السلطان لكمال سلطانه لا أحد يتكلم ولا بما فيه الخير عند الله إلا بإذن الله، ولذلك كلما كان الإنسان محترما في المجلس تجد أهل المجلس سكوت لا يتكلمون إلا حيث تكلم كما قال الشاعر: " يغضي حياءً ويغضى من مهابته *** فلا يكلم إلا حين يبتسم " فالمجلس كلما كان فيه ذو سلطان فإنك تجد عليه الهيبة وعدم الكلام، فالرب عز وجل هو ملك الملوك وأعظم الملوك سلطانا فلا يشفع أحد عنده إلا بإذنه جل وعلا إذا أذن، ومن المعلوم أنه لا يأذن إلا بشرطين: الشرط الأول رضاه عن الشافع والثاني رضاه عن المشفوع له، كما قال الله تعالى (( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى )) وقال تعالى (( يومئذٍ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا )) ولهذا نجد أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا طلبت منهم الشفاعة يوم القيامة يستحيون أن يشفعوا لعظم الرب عز وجل في نفوسهم، فهم يخشون أن تكون هذه الأشياء التي اعتذروا بها عن الشفاعة مانعة لهم من قبول شفاعتهم، (( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه )) لكمال؟
الطالب : ...
الشيخ : غلط، لكمال سلطانه، لا أحد يتكلم ولا بما فيه الخير للغير إلا بإذن الله، ولا إذن إلا بشرطين، هما رضى الله عن الشافع ورضاه عن المشفوع له، (( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم )) هذا فيه سعة العلم لأن كل شيء فهو إما بين أيدينا وإما خلفنا، فما سبق فهو؟
الطالب : ما سبق.
الشيخ : ما سبق فهو خلفنا، وما يستقبل بين أيدينا، وفي هذا عموم علم الله تعالى بكل شيء، (( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )) هذه الجملة فيها أيضا لما ذكر عموم علم الله أبان جل وعلا نقص علم غير الله، فقال (( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )) وكلمة من علمه قيل المعنى من علمهم إياه ولا يحيطون بشيء من علمهم إياه، وقيل إن المعنى مما يعلمه إلا بما شاء، فعلى الأول يكون المعنى أننا لا نحيط بشيء من أسماء الله وصفاته إلا بما شاء، وعلى الثاني لا نحيط بشيء من معلومات الله إلا بما شاء، والآية تحتمل المعنيين جميعا وكلاهما صحيح ولا ينافي أحدهما الآخر فتحمل عليهما جميعا، (( وسع كرسيه السماوات والأرض ))، هذا بيان لعظمته جل وعلا وكبريائه وأنه وسع كرسيه السماوات والأرض، والمراد بالكرسي هنا موضع القدمين كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما " موضع قدمي الرب عز وجل " وليس هو العرش وليس هو العلم كما قيل به لأن هذا ضعيف، أما القول بأنه وسع علمه السماوات والأرض فيقال هذا يغني عنه قوله (( يعلم ما في السماوات وما في الأرض ))، وأما كونه العرش فلأن الأدلة دلت على أن العرش غير الكرسي، فيكون الكرسي مخلوقا آخر وسع السماوات والأرض كلها على سعتها وعظمها الكرسي محيط بها واسع لها كما تقول وسع الإناء ما فيه من الطعام أي أن الإناء أكبر وأوسع مما فيه من الطعام، فالكرسي وسع السماوات والأرض، العرش أعظم من الكرسي بكثير كما جاء في الحديث ( ما السماوات السبع والأراضين السبع في الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة ) حلقة الدّرع تلقى في فلاة من الأرض ما نسبتها إلى الفلاة؟
الطالب : لا شيء.
الشيخ : لا شيء، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة، الله أكبر! مخلوقات عظيمة لا ندركها والرب عز وجل فوق ذلك ولا تمكن الإحاطة به سبحانه وتعالى، (( وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما )) يؤوده أي يثقله ويكرثه ويتعبه حفظهما أي حفظ السماوات والأرض وذلك لكمال علمه وقدرته وسلطانه وغير ذلك مما يقتضيه الحفظ ويستلزمه، (( وهو العليّ العظيم )) العلي بذاته وصفاته، فهو عالٍ بذاته فوق كل شيء جل وعلا وهو عال بصفاته كما قال تعالى (( ولله المثل الأعلى )) وهو كذلك عال بأسمائه كما قال تعالى (( ولله الأسماء الحسنى )) والعظيم يعني ذو العظمة التي لا يدانيها أي عظمة، واشتملت بلا شك على أوسع مما قلنا وأكثر وأعظم لمن تأمل وتدبر، ولهذا كانت هذه الآية الكريمة أعظم آية في كتاب الله، أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي لا يوجد مثلها آية، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب على ذلك وقال ( ليهنك العلم أبا المنذر ) أبا المنذر بدل من الكاف سامح؟ هاه؟
الطالب : منادى منصوب.
الشيخ : منادى منصوب حذفت منه ياء النداء، والأصل يا أبا المنذر، وفي هذا إشارة إلى أن التكنية تعظيم لأنه السياق يدل على أن الرسول عظم هذا الرجل، فتكنية الإنسان تعظيم له، ويقول الشاعر:
" أكنيه حين أناديه لأعظمه *** ولا ألقبه والسوءة اللقب "، لكن قوله السوءة اللقب هذا ما هو صحيح، لأن اللقب ما أشعر بمدح أو ذم، نعم.