حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم حفظ
القارئ : حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ).
الشيخ : في الترجمة: باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال: وإنما قيّده بالبالغ، لأن غير البالغ لا يجب عليه، ولا تجب عليه صلاة الجمعة، وإذا لم تجب عليه صلاة الجمعة فمن باب أولى ألا يجب عليه ما تجب لها، وأما الحديث فصريحٌ غاية الصراحة على أن الغُسل إنما يجب على البالغ، لقوله :(على كل محتلم)، وصريحٌ أيضاً صراحة لا إشكال فيها على أن غُسْل الجمعة واجب، والرسول عليه الصلاة والسلام حين قال واجب يعرف ما يعني، ويعرف ما تدلّ عليه كلمة *واجب* ، فإن الواجب هو الثابت الساقط سقوطاً لا حركةَ بعده، (( فإذا وجبت جنوبها )) .
وهذا نصٌّ صريح على وجوب الغُسْل يوم الجمعة، ومع ذلك، اختلف العلماء رحمهم الله في هذا الغُسل، فمنهم من قال: إنه سنّة في كل حال، ومنهم من قال: إنه واجبٌ بكلّ حال، ومنهم من فصل، وقال: إذا كان في أيام الصيف وأيام الحر، وكثرة الأوساخ والروائح الكريهة، فالغُسْل واجب، وفي غير ذلك ليس بواجب.
ولكن أسعد الأقوال بالدليل أنه واجب بكلّ حال، ولكنه ليس كوجوب الغسل من الجنابة، بمعنى: أن الإنسان إذا صلى الجمعة ولم يغتسل فصلاته صحيحة، لكنه آثمٌ، يستحقّ العقوبة، إلا أن يعف الله عنه.
والإنسان أحياناً يتعجّب أن يرد مثل هذا النص، ثمّ يكون فيه الخلاف في الوجوب، مع أنه صريح واضح، لو أن هذه العبارة جاءت في مصنَّفٍ من مصنَّفات الفقهاء وقال: غسل الجمعة واجب أو يجب غُسل الجمعة، ماذا يفهم الناس منه؟ الوجوب، والتأثيم بالترك، فكيف إذا جاء ممن هو أفصح الخلق، وأنصح الخلق وأعلم الخلق، بشريعة الله، إن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع في حقّه العلم: فهو أعلم الناس بشريعة الله، ثانياً: الصدق، لا يمكن أن يقول واجب وهو كاذبٌ فيها حاشاه الله ذلك، أيضاً البلاغة والفصاحة: وهذا في غاية الفصاحة (غسل الجمعة واجب)، والرابع: الإرادة التامة لخير الأمة، فلا أحد أنصح منه للأمة أبداً، فكيف يعبّر عن شيء ليس بواجب ويقول إنه واجب، وهل هذا إلا سبب للبلبلة، والتردد والتشكك من الأمة؟! ولذلك: نحن نرى أنه واجب، وأن من لم يقم به فإنه آثم، أما من حيث صحّة الصلاة فالصلاة صحيحة، لأن هذا ليس عن جنابة، فإن قال قائل: ما الذي أوجبه، لماذا لا نحمله على ما إذا كان على الإنسان فيه أوساخ لأجل إزالة الرائحة؟ فالجواب عن ذلك: أننا لا نقول: أنه واجب لإزالة الأوساخ فقط، بل هو واجب لتعظيم هذه الصّلاة، ثم إن بدت لنا العلّة في الحكم فهذا خير، وان لم تبدو لنا العلة في الحكم فالواجب علينا الاتباع عرفنا الحكمة أو لمْ نعلم.
فإن قال قائل: توجبونه حتى في الشتاء ألا ترحمون الخلق؟ قلنا: هذا من رحمة الخلق، أن نقول: قوموا به لتبرأ ذِممكم، هذا من الرّحمة، فرحمة بالخلق ليس معناه أن نسقط عنهم شيئاً يدلّ النص على وجوبه، ثم نقول إذن يلزم على هذه القاعدة أن نُسقِط عنهم غسل الجنابة، في أيام الشتاء، وهذا لمْ يقُل به أحمد، أما في عهدنا وعصرنا والحمد لله فالأمر متيسّر غاية التّيسّر، ما عليك إلا أن تفتح صنبوراً في جدارٍ يابس، ثمّ يأتيك الماء على مِزاجك: إن شئت زدت الحرارة، وإن شئتَ نقّصت، نعمة كبيرة لا أحد يحْلم بها ولا في حلم الليل، والحمد لله.