فوائد حفظ
الشيخ : هذا الحديث يدل على أن الأفضل للخطيب أن يأتي بالكلام الموجز البليغ المؤثر، والتطويل المُكرر لا فائدة منه، وإنما يحدث الملل والضّجر، حتى يقوم الناس إلى الصلاة وهم في ملل وكسل، وأن من الفقه أن يقصّر الإنسان الخطبة، لكن تكون وجيزة بليغة، ويطيل الصّلاة، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك يُنزّل على سُنّته عليه الصلاة والسّلام، ومن المعلوم أنه في صلاة الجمعة يقرأ: إما الجمعة والمنافقين، وإما سبّح والغاشية، فلو أن أحداً من الناس قرأ بالجمعة والمنافقين لم يكن هذا تطويلاً، وإن كان عند بعض الناس يُعدّ تطويلاً لكنه في الواقع ليس بتطويل.
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( وإن من البيان لسحراً ) إشارة إلى أن الخطيب ينبغي أن يكون ذا بيان وفصاحة، حتى يجذب الناس.
والبيان قد يكون بتركيب الجمل بعضها مع بعض، وقد يكون في صفة الأداء، وانفعال النفس عند الخطبة والتوجيه، لأنه ربما يخطب رجلان في موضوع واحد، وفي جمل واحدة، لكن يؤثّر أحدهما ما لا يؤثّر الآخر بناءً على صفة الأداء، وهذه مسألة ينبغي التّنبه لها، ثمّ إنه أيضاً لا يكون صفة الأداء واحداً في كلّ موضوعٍ من موضوعات الخُطب، إذا كانت الخطبة يراد بها بيان أحكام شرعية، ولنقل أحكام الصيام في استقبال رمضان، هل هذا كرجلٍ يريد أن يُحذّر الناس من أمرٍ هم واقعون فيه من المحرّمات؟ الجواب: لا، لكلّ مقام مقال، ولهذا لو أنه أبْدى الأحكام الشرعية الفقهية بانفعال وغضب لخرج الناس وهم يقولون: هذا الرّجل يهاوشنا ويزجرنا، لكن لو جاء في موعظة، لكان له مناسبة.
إذن: فالبيان الذي فيه السّحر: هو مراعات الحال في موضوع الخطبة، وفي أحوال، المخاطَبين أيضاً. فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس أحياناً بسورة ((ق))؟ قلنا: بلا مع أنه كان في الغالب يرتّل القراءة، فنقول: هذا ليس بتطويل، وقاف ليس فيها تكرار، والذي يُنْهى عنه ويُخْشى منه أن يطول ويكرر إلا إذا دعت الحاجة، المهم أنه يجب على الإنسان أن يراعي أحوال الناس والبيان.
وقولهم : ( لو كنت تنفّست ) يعني أطلت بعض الشيء.