فوائد حفظ
الشيخ : الحديث فيه فوائد:
أولاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام من أحسن الناس خلُقاً، من وجهين، بل من وجوه، أنه أجاب دعوة ابنته، مع انه يظهر أنه مشغولٌ بشيء هام، لأنه أمر الرسول أن يرجع ويُحدّثها بما أمره أن يحدّثها به.
وثانياً: حُسنُ تربية النبي صلى اله عليه وسلم، وذلك بتوجيه ابنته إلى أن تصبر وتحتسب، قال: مُرْها فلتصبر ولتحتسب، تصبر يعني على هذه المصيبة، وتحتسب أجرها على الله عز وجل، ومنها: هذا العزاء العظيم البليغ: (إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى) فهو الرب عز وجل المالك له ما أخذ من كل شيء، من المال، من البنين، وغير ذلك، وله ما أعطى، وإذا كان له ما أعطى فله أن يأخذه متى شاء، ثم التّسلية الثالثة: وكلّ شيء عنده بأجلٍ مسمّى، وما كان بأجل فهو مربوط بأجله لا يمكن أن يتقدّم عنه ولا يتأخّر، والإنسان إذا آمن بهذا فإنه سوف تهون عليه المصائب، ويرتفع عنه الندم، وينسَد عنه باب لو، وقوله: مسمّى أي: معيّن ومحدّد، ولكنّ ابنته وهي زينب أقْسَمَت أن يأتيها، يعني قالت: والله ليأتيَن، ففيه جواز الإقسام على الغير، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنْكر عليها أن أقسَمَت عليْه، لكن يجب في مثل هذه الحال أن يُراعي الإنسان ظرف أخيه، فلا يُكلّفه ما يشقّ عليه، طيب فإن قال قائل: لو حلف قال: والله لتخبرنِّي عما في بيتك من الطعام، والشّراب، فهَل يُبَرُّ قسَمه؟ لا، لأن هذا لا يستحق أن يَبَرّ قسمه، لماذا؟ لأنه سأل عمّا لا يعنيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: (من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه). ومنها: جواز البكاء، وهذا هو المقصود من الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بكى لمّا رأى هذا الصّبي ونفسه تقعقع كأنها في شنّة، وتعرفون الشّنة هي الجلد اليابس، ويكون له صوت، مع تحركه.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الرُّحماء يبكون عند وجود ما يرقِّق القلوب، لإن النبي صلى الله عليه وسلم بكى، وأخبر أن هذه رحمة، جعلها الله تعالى في قلوب عباده.
ومنها: أن الرحيم بالخلق حريٌّ بأن يرحمه الله عز وجل، لقوله: ( وإنما يرحم الله من عباده الرُّحماء)، وإنما هنا: أداة حصر، فإذا رأيت من نفسك رِقَّة وليناً لعباد الله فأبشر بالخير، فإن هذا عنوان على رحمة الله إيَّاك، وإن رأيت الأمر بالعكس فعالج نفسك، وعوّدها على الرّحمة، ومن أقرب ما يكون: هو رحمة الصّغار، فإن رحمة الصغار، والعطف عليهم ، والحنو عليهم، وتطييب خواطرهم هذه من أقرب الأسباب، ومن أكبر الأسباب التي تعين الإنسان على الرحمة.