فوائد حديث : ( ... عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال قالوا إنك تواصل قال إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى ) حفظ
الشيخ : الوصال هو أن يقرن الإنسان بين يومين في الصوم بحيث لا يأكل ولا يشرب بين اليومين ، وهذا يفعله بعض الناس من باب العبادة لله عز وجل وأنه يصبر نفسه حتى على هذه الحال ، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما في ذلك من المشقة والإنسان لا ينبغي أن يلزم نفسه بشيء شاق فيعجز فيما بعد ويستحسر وكما يقال : " الدفع أسهل من الرفع" .
لكن (نهى عن الوصال فقالوا : إنك تواصل ) وليس المراد بقولهم : ( إنك تواصل ) الاحتجاج بفعله على نهيه، كلا ، لأن الصحابة لا يمكن ، لكنهم أرادوا أن يبينوا أنهم إنما فعلوا ذلك تأسياً به وأن لهم فيه أسوة ، فكأنهم قالوا : يا رسول الله إنك تواصل فواصلنا لأجل المتابعة ، أما أن يظن الطالب أنهم أرادوا بذلك الاحتجاج بفعله على قوله فهذا لا يليق بمقام الصحابة رضيه الله عنهم ، فبين لهم الرسول عليه الصلاة والسلام أنه ليس مثلهم قال : ( لست كهيأتكم إني أطعم وأسقى ) لكن بماذا يطعم ؟ ، هل المراد أنه يأتيه طعام من الجنة وشراب من الجنة فيستغني به عن طعام الدنيا وشرابها ؟ .
هكذا ، قال بعض العلماء هكذا لكن هذا مردود لأنه لو كان كذلك لم يكن معك وصال ، فدفع بعضهم هذا الإيراد وقال إن طعام الجنة لا يفطر ، وهذا أيضاً مما يستغرب كيف لا يفطر وهو يغذي فهذا أيضاً مردود .
وأحسن ما قيل في ذلك أنه عليه الصلاة والسلام لقوة تعلق قلبه بربه وانشغاله بذكره يستغني بذلك عن الطعام والشراب ، وهذه المرتبة العالية لا تكون لكل أحد بل هي للرسول عليه الصلاة والسلام وحده ، فكأنه قال : أطعم وأسقى بما في قلبي من التعلق بالله عز وجل والانشغال بذكره، وهذا أمر معلوم حتى في المحسوس وفي هذا يقول الشاعر:
" لها أحاديث من ذكراك تشغلها .. عن الشراب وتلهيها عن الزاد ".
يعني أنها إذا قامت تتحدث بك فإنها تلهوا عن كل شيء وهذا أيضاً يعني محسوس، الإنسان إذا انهمك بشيء فإنه ينسى نفسه، ينسى أنه جائع أنه عطشان ، وتمضي عليه الساعات وكأنها دقائق ، فهذا أحسن ما يحمل عليه هذا الحديث ، وعلى هذا فيكون من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله أعطاه قوة بالانشغال بذكره وتعلق قلبه به تبارك وتعالى تكفيه عن الطعام والشراب، هذا هو أحسن ما قيل فيه هذه المسألة.