باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين . وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد .
فقد قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى : (كتاب الحج . باب ما يباح للمحرم بحجٍ أو عمرةٍ وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه ) .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
قال المؤلف الذي كتب تراجم صحيح مسلم رحمه الله :
كتاب الحج: الحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة ، وآخر ما فرض منها ، ولم يفرض إلا في السنة التاسعة أو العاشرة ، لأن مكة قبل ذلك كانت ولاية الكفار ، وإذا كان الكفار منعوا النبي صلى الله عليه وسلم من أداء العمرة فكيف يمكن أن يحج والسلطة فيها للكفار ، فكان من حكمة الله عز وجل تأخير فرض الحج إلى السنة التاسعة أو العاشرة .
فإن قلنا إنه فرض في العاشرة فلا إشكال ، وإن قلنا إنه فرض في التاسعة يبقى هناك إشكال على قول من يقول إن الحج واجب على الفور إذا تمت الشروط ، لأن النبي لم يحج إلا في السنة العاشرة ، والجواب عن هذا سهل .
يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة كان مشتغلًا بتلقي الوفود ، الذين يفدون إلى المدينة من جهات متعددة يستقبلهم صلى الله عليه وسلم ويعلمهم دينهم ، فكان انشغاله بهذا أولى من المبادرة بالحج .
ثانيًا : أن السنة التاسعة لم تتمحض للمسلمين ، يعني أنه قد حج فيها من المشركين من حج ، فأراد الله عز وجل أو أراد النبي صلى الله عليه وسلم بإرادة الله أن يؤخر الحج إلى السنة العاشرة حين يتم إعلان أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان .
وأما قول من قال أنه فرض في السنة السادسة في قوله تعالى : (( وأتموا الحج والعمرة لله )) فقول ضعيف ، لأن هذه الآية إنما فيها الأمر بالإتمام لا بالابتداء ، لكن في الآية دليلًا على أن نفل الحج يجب إتمامه دون سائر النوافل . لأن الله أمر بإتمام الحج والعمرة وقال : (( فإن أحصرتم )) يعني ولم تتموا (( فما استيسر من الهدي ))
فالآية فيها دليل على أن الحج والعمرة إذا شرع فيهما الإنسان وجب عليه الإتمام - فقط - أما الوجوب ابتداءً فلا .
ثم الحج -كما نعلم جميعًا فيما سبق- فيه مشقة شديدة على المسلمين ، يأتون على الرواحل وعلى الأقدام وعلى البغال وعلى الحمير ، فيكون في ذلك مشقة ، فلهذا نص الله تعالى على شرط الاستطاعة فيهما ، في قوله : (( ولله على النس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )) وهذه الآية هي التي فيها فرضية الحج ، مع أن جميع الواجبات يشترط فيها الاستطاعة ، لكن نص على ذلك لأن العجز في الحج والعمرة متوقع أو واقع .
(( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )) .
وللحج شروط ذكرها العلماء : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، والحرية ، والاستطاعة .
خمسة شروط ، أما الإسلام : فشرط للوجوب والصحة والإجزاء ، فلا يجب على كافر ، ولو حج لم يصح منه ، ولم يجزئه .
وأما البلوغ : فشرط للوجوب والإجزاء ، دون الصحة ، لقول البني صلى الله عليه وسلم حين رفعت إليه المرأة : ألهذا حج ؟ وهو صبي قال : (نعم ولك أجر ) .
وأما العقل : فشرط للوجوب والإجزاء والصحة ، فلا يجب على مجنون ولو كان عنده أموال كثيرة ، ولا يصح منه لو حج ، ولا يجزئه.
فصار الإسلام والعقل شرطين لأمور ثلاثة : الوجوب ، والصحة ، والإجزاء.
أما البلوغ فشرط للوجوب والإجزاء .
وأما الحرية : فهي شرط للوجوب والإجزاء دون الصحة . فالرقيق يصح منه الحج ، لكن لا يجب عليه ، ولا يجزئه عن حجة الإسلام .
وذلك لأنه مملوك ليس له مال ، فهو مملوك منفعته لسيده ، ولا يستطيع أن يستقل بها ، وهو أيضًا لا يملك فهو عاجز من الجهتين .
ولكن لو أذن له سيده أن يحج وأعطاه ما يتمكن من الحج به فهل يجب عليه الحج أو لا ؟ إن قلنا إن الرق مانع من الوجوب فإنه يجب عليه الحج ، إذا توفرت الشروط ، وأذن له سيده وأعطاه المال ، وذلك لأن الرق مانع لعدم القدرة ، والآن زالت ، فيجب عليه أن يحج .
وإن قلنا إنه وصف لا يصح الحج بدونه وهو الحرية ، فإنه وإن أعطي وملك وأذن له سيده لا يجب عليه ، ويصح منه .
وفي هذا حديث ابن عباس أن من حج وهو رقيق ثم أعتق فعليه حجة أخرى . لكن في هذا الحديث ضعف .
بقي عندنا : الاستطاعة ، وهي الشرط الخامس :
الاستطاعة نوعان : استطاعة بالمال ، واستطاعة بالبدن ، فأما الاستطاعة بالمال فهي شرط للوجوب أداء وإنابة ، بمعنى : أن من ليس عنده مال لا يجب عليه الحج لا بنفسه ولا بنائبه ، إلا إذا كان قريبًا أو في مكة فإنه يجب عليه الحج ببدنه ، وذلك لقدرة البدنية على أداء الحج .
وأما العجز البدني ، فإنه ينقسم إلى قسمين : عجز لا يرجى زواله ، كالكبر ، وعجز يرجى زواله ، فأما العجز الذي لا يرجى زواله ، فإنه يجب على العاجز الذي عنده مال أن ينيب من يحج عنه ، لأن النبي سألته امرأة قالت : يا رسول الله ، إن أبي أدركته فريضة الله على عبادة بالحج شيخًا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : ( نعم ) .
فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على قولها : فريضة الله .
إذن فيجب عليه أن ينيب من يحج عنه ، إذا كان عجزه لا يرجى زواله ، أما إذا كان يرجى زواله ، فإننا نقول له : انتظر حتى يزول العجز ثم أد الحج بنفسك .
فإن قيل : أرأيتم لو أنه أقام من يحج عنه لكونه لا يرجو زوال عجزه ثم من الله عليه بزوال العجز ، فهل يلزمه أن يعيد ؟
الجواب : لأ ، لأن ذمته برئت ، حيث أتى بالأمر على ما شرع ، وكل إنسان يأتي بالأمر على ما شرع فإنه لا يلزم بالإعادة .
أرأيتم لو أن إنسانًا تيمم في الوقت وصلى ، ثم بعد صلاته وجد الماء ، فهل تلزمه الإعادة ؟
الجواب : لا تلزمه ، لأنه صلى على حسب ما أمر به .
والقاعدة : أن كل من أدى العبادة على الوجه الذي أمر به فإنه لا يلزم بالإعادة ، لأننا لو ألزمناه بالإعادة لأوجبنا عليه العبادة مرتين .
وهذا لا يوجد في الشريعة .
المؤلف رحمه الله بدأ أول ما بدأ فيما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح ، وبيان تحريم الطيب عليه ، قال : المحرم بحج أو عمرة ، وذلك لأن السؤال الذي ورد على النبي صلى الله عليه وسلم : ما يلبس المحرم ؟ لم يقل ما يلبس الحاج ولا ما يلبس المعتمر .
ثم إن العمرة سماها النبي صلى الله عليه وسلم حجًا أصغر كما في حديث عمرو بن حزم المشهور الذي تلقته الأمة بالقبول ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمى العمرة حجًا أصغر .