شرح :( ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبي يقول ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد أبد ) حفظ
القارئ : ( ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السّلام ، فقرأ : (( واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى )) فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبي يقول -ولا أعلمه ذكره إلّا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- : كان يقرأ في الرّكعتين (( قل هو الله أحد )) (( وقل يا أيّها الكافرون )) ، ثمّ رجع إلى الرّكن فاستلمه ).
الشيخ : الطواف انتهينا منه أمس ، وبينا أنه يرمل في الشواط الثلاث الأولى وبينا سبب مشروعية الرمل .
وقوله : (( ثم نفذ إلى مقام إبراهيم )) يدل على أن هناك زحام ، وفي رواية : ثم تقدّم إلى مقام إبراهيم ، والجمع بينهما أنه نفذ متقدمًا إلى مقام إبراهيم ليصلي خلفه .
ومقام إبراهيم هو الحجر الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم يرقى عليه لما ارتفع جدار الكعبة صار يرقى على هذا الحجر .
فقرأ : (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) قرأ ذلك في حال نفوذه ، إشارة إلى أنه إنما فعل ذلك امتثالًا لأمر الله تعالى لقوله : (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) ، فجعل المقام بينه وبين البيت ، المقام أي مقام إبراهيم بينه وبين البيت ، وهذا يشعر بأن المقام في مكانه الحالي لأنه لو كان لاصق بالبيت كما في الرواية المشهورة ما احتاج أن يقول : يجعل المقام بينه وبين البيت لأن المقام لاصق بالبيت ، وهذه المسألة اختلف فيها المؤرخون وأكثر المؤرخين على أنه كان في أول الأمر ثم زحزح ، لكن الذي يظهر أنه من الأصل في مكانه هذا .
وقوله : (( اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) استدل بعض العلماء استشهاد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية على أن ركعتي الطواف واجبة ، وهذا له حظ من النظر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسّر به الآية الدالة على الوجوب بالأمر بها ، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يدع ركعتي الطواف .
وفيه : أنه يسن في هذين الركعتين أن يقرأ : (( قل هو الله أحد )) و0(( قل يا أيها الكافرون )) ، (( قل هو الله أحد )) في الثانية و(( قل يا أيها الكافرون )) في الأولى .
قال أهل العلم : ويخففهما ، لأن المكان يحتاج الناس إليه ، فينبغي أن يخفف حتى يفرغ المكان لمن بعده ، فإن قرأ بسواهما فلا بأس ، لأن الذي يجب قراءته من السور هو الفاتحة فقط ، وما عدا ذلك فإنه سنة .
والحكمة من قراءة هاتين السورتين أن فيهما التوحيد بنوعيه ، التوحيد الخبري والتوحيد العملي الطلبي ، فالتوحيد الخبري (( قل هو الله أحد )) والعملي الطلبي (( قل يا أيها الكافرون)) . نعم
القارئ : ( ثمّ رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصّفا ، فلمّا دنا من الصّفا قرأ : (( إنّ الصّفا والمروة من شعائر الله )) (( أبدأ بما بدأ الله به )) فبدأ بالصّفا ، فرقي عليه ، حتّى رأى البيت فاستقبل القبلة ، فوحّد الله وكبّره ، وقال : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيءٍ قدير ، لا إله إلّا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثمّ دعا بين ذلك ، قال : مثل هذا ثلاث مرّاتٍ ، ثمّ نزل إلى المروة ، حتّى إذا انصبّت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتّى إذا صعدتا مشى ، حتّى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصّفا ، حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة ، فقال : لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، وجعلتها عمرةً ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ ، وليجعلها عمرةً ، فقام سراقة بن مالك بن جعشمٍ ، فقال : يا رسول الله ، ألعامنا هذا أم لأبدٍ ؟ فشبّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصابعه واحدةً في الأخرى ، وقال : دخلت العمرة في الحجّ، مرّتين ، لا ، بل لأبد أبدٍ )
الشيخ : هذا السعي فيها أنه إذا أراد السعي ، وانتهى من صلاة ركعتين خلف المقام ، يستلم الركن مرة ثانية ، كالمودع للبيت في هذا العمل ، ولم ترد السنة بالتقبيل في هذا الموضع ، ولم ترد أيضًا الإشارة ، وعلى هذا فلا تقبيل ولا إشارة ، فإن تيسر أن تستلمه فهو سنة وإلا فدعه .
وهذا فيمن خرج ليسعى ، وأما من طاف ولم يرد السعي فلا يرجع إلى الركن يستلمه ، وفيه أنه يخرج من باب الصفا ، فإنه الجهة التي يتجه منها إلى الصفا ، لأن ذلك أسهل .
وفيه أيضًا : أنه لما دنا من الصفا قرأ : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله )) ، ولم يقرأ الآية حين صعد ، بل حين دنا ، إشارة إلى أنه إنما سعى لأن الله تعالى جعل الصفا من شعائر الله ، وإشارة أخرى إلى أنه بدأ من الصفا لأن الله بدأ بذكرها .
ولهذا قال : ( أبدأ بما بدأ الله به ) من أجل أن يشعر نفسه ويوطنها أنه إنما فعل ذلك امتثالًا لأمر الله عز وجل .
ولا يقال هذا الذكر إلّا إذا أقبل على الصفا من بعد الطواف ، فلا يقال بعد ذلك لا عند المروة ولا عند الصفا مرة ثانية لكن لأنه ليس ذكرًا يختص بالصعود ، وإنما ذكر يبين أن الابتداء سيكون من الصفا إنما هو لتقديم الله عز وجل له .
وقوله : قرأ (( إن الصفا والمروة من شعائر الله )) يحتمل أنه قرأ الآية كلها ، وكان السلف يعبرون ببعض الآية عن جميعها ، ويحتمل أنه لم يقرأ إلّا هذا فقط الذي هو محل الشاهد ، وهو كون الصفا والمروة من شعائر الله ، وكون الصفا هو الذي يبدأ به ، وهذا هو المتعين ، وذلك لأن الأصل أن الصحابة ينقلون كل ما سمعوا ، وإذا لم يقل حتى ختام الآية فإنه اقتصر على ما نقل فقط .
والشعائر جمع شعيرة ، وهي النسك أو العبادة المتميزة عن غيرها بتعظيم الله عزوجل .
وفيه أيضاً أنه ينبغي للساعي أن يصعد على الصفا حتى يرى البيت ، ثم يستقبل القبلة ويُكبِّر ثلاثاَ .
وقوله : فرقي عليه حتى رأي البيت ، هذا الرقي ليس بواجب ، وإنما هو سنة، وإلا فلو وقف على حد الصفا من الأسفل حصل المقصود ، لقوله تعالى: (( فلا جناح عليه أن يطوف بهما، ومن وصل إلى بهما فقد اطوف بهما )) وحد الواجب الآن هو حد هذه الأسياخ التي جعلوها للعربيات ، فهذا هو حد واجب ، وعلى هذا فلا يجب أن يصعد ويتقدم ولا سيما في أيام الزحام .
وفيه أيضًا : أنه ينبغي استقبال القبلة على الصفا وتوحيد الله عز وجل وتكبيره .
وقوله : ( وقال : لا إله إلا الله ) يحتمل أنه زائد على قوله فـ( وحد الله )، أو أنه تفسير له ، لكن وردت السنة بأنه يكبر ثلاث مرات ، ولكنه ليس كتكبير الجنازة كما يتوهمه بعض العامة حيث يقول ( الله أكبر ) بيديه يشير بها كما يشير بها في الصلاة ، هذا غلط ، لكن يرفع يديه ويكبر ثلاثًا .
ويقول : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) ( لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصرعبده وهزم الأحزاب وحده ) .