شرح :(وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت إن أبي أمرني بهذا قال فكان علي يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة للذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسولك قال فإن معي الهدي فلا تحل قال فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة قال فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي ) حفظ
القارئ : ( وقدم عليّ من اليمن ببدن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممّن حلّ ، ولبست ثيابًا صبيغًا ، واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : إنّ أبي أمرني بهذا ، قال : فكان عليّ يقول ، بالعراق : فذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم محرّشًا على فاطمة للّذي صنعت ، مستفتيًا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما ذكرت عنه ، فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها ، فقال : صدقت صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحجّ ؟ قال قلت : اللهمّ ، إنّي أهلّ بما أهلّ به رسولك ، قال : فإنّ معي الهدي فلا تحلّ، قال : فكان جماعة الهدي الّذي قدم به عليّ من اليمن والّذي أتى به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مائةً ، قال : فحلّ النّاس كلّهم وقصّروا ، إلّا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن كان معه هدي ) .
الشيخ : هذا بيان هدي النبي عليه الصلاة والسلام ، قدم عليّ من اليمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، أرسله إلى اليمن للدعوة إلى الله وأخذ الزكوات منهم وغير ذلك .
فقدم ببدن النبي صلى الله عليه وسلم أي : ببعضها ، لأن بعضها جاء به علي ، وبعضها كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ،كما يأتي في آخر الكلام ، لكنه وجد زوجه فاطمة رضي الله عنها قد حلّت ، واكتحلت ، ولبست صبيغًا ، أي : ثوبًا جميعًا وكأنها متهيئة لزوجها رضي الله عنه ، فأنكر ذلك عليها ، لأنهم لم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج ، أنكر عليها ، فأخبرته أن أباها صلى الله عليه وسلم أمرها بهذا ، قال : إن أبي أمرني بهذا ، فذهب علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم محرّشًا ومستفتيًا ، محرشًا على فاطمة والتحريش في الأصل التهييج ، والإغراء ، كما يحرش بين البهائم ، وكما يحرش بين الناس ، ولهذا قال : حرّش فلان على فلان ، أي : هيج غيره وعليه وأغراه به ،
ومستفتيًا في ذلك ، فذهابه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لغرضين : الغرض الأول التحريش على فاطمة ، لماذا تحل ؟! والثاني الاستفتاء : هل عملها صحيح أو غير صحيح .
يقول : فأخبرته أني أنكرت ذلك فقال : صدقت صدقت ، يعني أني أمرتها بهذا ، وكرر ذلك توكيدًا ، لأن المقام يقتضي ذلك ، صدقت أي : فيما قالت أني أمرتها به ، صدقت ، وإنما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم كما أمر غيرها لأنها لم تسق الهدي فحلّت .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ماذا قال حين فرض الحج ؟ فقال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك ، قال : فإن معي الهدي فلا تحل .
ففي هذا دليل على مسألة خاصة بعلي رضي الله عنه ، وعلى مسألة عامة للمسلمين ، أما الخاصة بعلي فهو ذكاؤه رضي الله عنه وفطنته وحرصه على التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث أحرم بما أحرم به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأما العامة فهي جواز مثل هذا ، أي : أنه يجوز للإنسان أن يقول : أحرمت بما أحرم به فلان ممن يثق بعلمه ودينه ، مع أنه سيكون مجهولًا له حتى يصل إلى فلان ، فإذا قال : أحرمت بما أحرم به فلان ، وكان فلان قارنًا ، فهل لهذا إذا لم يكن معه الهدي أن يحل بعمرة ؟ الجواب : نعم ، لأنه لو أحرم به من أول فإننا نأمره يحل بعمرة فكيف إذا كان مقتديًا بغيره ! ولكن علي بن أبي طالب أشركه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه ، وجعل له نصيبًا ولهذا قال : فإن معي الهدي فلا تحل .
وظاهر هذه العبارة أن من أحرم بمثل ما أحرم به فلان وكان فلان قد ساق الهدي وهو لم يحل فإن الثاني لا يحل ، لكن هذا مقيد بما إذا كان الثاني قد ساق الهدي ، أو مشاركًا له فيه كما سيأتي في سياق الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرك عليًّا في هديه .
قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به النبي جماعة أي : مجموع الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة ، وسيأتي إن شاء الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاث وستين وأعطى عليا فنحر ما بقي .
وقوله ( مائة ) عندي بالألف وعندكم بالألف ولكن هذه الألف لا ينطق بها ، والناطق بها يعتبر لاحنًا ، فيقال : ( مئة ) كما يقال : ( فئة ) وأما ما نسمعه من بعض الناس الذين لا يفهمون يقولون ( مائة ) هذا مو صحيح ، وكيف يقول ( مائة ) والهمزة مكسورة أمامه ؟! هذا نعم ؟! غريب .
وقوله : ( مائة ) فيها دليل على كرم النبي صلى الله عليه وسلم فهو أهدى مائة بدنة عن سبعمائة شاة ، وكثير من الناس اليوم يتعثر لإهداء شاة واحدة ، حتى إنه يختار النسك المفضول على الفاضل تفاديًا للهدي ، فيذهب يحرم بإفراد لأنه لا هدي فيه ، ولا يتمتع .
ولهذا يسألك بعض الناس يقول لك : هل أحرم متمتع ولا أحرم مفرد ، أيهم اللي مافي هدي ؟ ما يقول أيهما أفضل ؟ يقول : أيهم اللي مافي هدي ؟ فيقال الأمر ميسر والحمد لله ، أفعل الأفضل ، تمتع ، ثم إن استيسر الهدي فهذا المطلوب ، وإن لم يستيسر فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت . نعم