حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن آثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي يا محمد خير إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل أصبوت فقال لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظ
القارئ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ : ( بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ : ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فَقَالَ : عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ : مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ قَالَ : مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ : مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فَقَالَ : عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ، مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى ؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ : أَصَبَوْتَ، فَقَالَ : لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا وَاللهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).
الشيخ : هذا فيه بيان جواز الأسر للكبار، وأهل الشرف والجاه، لأنهم يستحقون لك، حين كانوا كفّارا.
وفيه أيضا جواز ربط الأسير في المسجد، ولو كان كافراً، وذلك لأن نجاسة المشرك ليست نجاسة حسية حتى نقول كيف يمَكّن أن تبقى هذه الجرثومة النجسة في المسجد، ولكن نجاسة المشرك نجاسة معنوية، ولهذا لو أصابك شيء من بدنه في رطوبة فإنها ليست نجسة، فالنجاسة نجاسة المشرك نجاسة معنوية.
فإن قال قائل : هل يجوز أن يدخل الكافر المسجد ؟.
فالجواب : في هذا تفصيل، إن كنّا نخاف منه، فإننا لا نمكنه من دخول المسجد، وإن كنا لا نخاف ودخل، فإن كان لحاجة المسجد مثل الكهربائي والنجار والحداد يدخل لمصلحة المسجد فهذا جائز ولا إشكال فيه، لكن يجب أن يكون عليه رقيب، حتى لا يصنع الشيء على وجه سيء، وكذلك أيضاً إذا كان لحاجته هو وقد أمنّا منه، مثل أن يدخل المسجد ليشرب من برّادته أو نحو ذلك.
لو نقرأ الحديث قطعة قطعة كما فعلنا في الأحاديث الطويلة .
القارئ : ( بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ : ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ).
الشيخ : في هذا دليل أيضا على أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم له سواري، وسواري مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت من النخل، يعني نبع النخل يوقف، ويُربط عليه السقف من فوق، مثل ما نسميه عندنا بالمعشش.
القارئ : ( فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فَقَالَ : عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ ).
الشيخ : في هذا حسن ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال : ( ماذا عندك يا ثمامة ؟ ) . وفيه أيضاً الجواب بهذا الذي أجاب به ثمامة وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ( عندي خير ).
وهو أحسن من قول بعض الناس في عُرفنا : " عندي كل خير "، لأنه لا أحد يكون عنده كل خير، ولكن يقول : عندي خير. فلتُعَدّل هذه الكلمة من ألسُن الناس. فيقال بدل أن تقول : عندي كل خير ، أن تقول : عندي خير، والفرق بينهما ظاهر .
وفيه أيضا حُسن تعبير هذا الرجل ثمامة، حيث قال : ( إن تقتل تَقتُل ذا دم )، يعني تقتل رجُلاً مُستحقاً للقتل، وإن تُنعم تُنعم على شاكر ، يعني إن أنعمت عليّ وأطلقتني، فسأقوم بشُكر هذا .
والثالث : وإن كنت تريد المال فسل تُعطَ منه ما شئت. ثلاثة أشياء ، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُريد منه المال، وإن كان يجوز فداء الأسير بالمال.
القارئ : ( فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ : مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ قَالَ : مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ : مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فَقَالَ : عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ ).
الشيخ : حينئذ منّ عليه، منّ عليه بإطلاقه، لم يقتله، ولم يطلب منه مالًا، ولكنه أمر بإطلاقه ، وهذه منّة كُبرى من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه دليل على جواز إطلاق الأسير إذا اقتضت المصلحة ذلك، وهو الذي ذُكر في الترجمة، وفعلاً وُجدَ الشكر كما سيأتي .
القارئ : ( فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ).
الشيخ : قوله : ( فاغتَسَل ) قد يستدل به من يرى وجوب الاغتسال عند الإسلام، وكأن هذا أمرٌ مُقرّر حتى عرفه هذا الرجل الذي كان كافراً، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، أن من أسلم وجب عليه أن يغتسل. وقد ورد فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك، وذهب كثير من أهل العلم أن الاغتسال للإسلام ليس بواجب ولكنه سُنة، مستدلين بكثرة الذين يسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يُنقل أنه كان يأمرهم.
وهذا الاستدلال فيه نظَر، لأنه إذا ثبت الحكم في شخص فهو حُكم للجميع، ولا يحتاج أن نعلم أن كل واحد من الصحابة عملَ به، ولو اتخذنا هذا منهجاً لتعطّلت كثير من الشرائع، لأن الإنسان لا يستطيع أن يقول إن الصحابة عملوا بهذا، يكفينا أنه ورد به السنة، والأصل أن ما وردت به السنة حقّه أن يُعمَلَ به، هذا هو الأصل ، لا يحتاج أن نقول هل عمل به الصحاب، نقول الأصل أنهم يعملون به.
القارئ : ( يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ، مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ ).
الشيخ : هذا من صراحته، ومن تحدثه بنعمة الله، أما الصراحة فواضح ، لأنه صرح ما في وجه على الأرض أبغض إليه من وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التحدث بنعمة الله فهو أن الله نقله من هذه الحال إلى ضدّها، وعكسها، وأنه أصبح ما فيه وجه على الأرض أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القارئ : ( وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى ؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ : أَصَبَوْتَ، فَقَالَ : لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا وَاللهِ، لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).
الشيخ : ما شاء الله! الإيمان إذا دخلت بشاشتُهُ القلوبَ صار كلّ شيء رخيصاً عند حماية الإسلام، الرجل أقسم أنه لا تأتي لأهل مكة حبة حنطة إلا إذا أذنَ النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يكون اقتصاد بني حنيفة في تأخر، لأن أهل مكة يستوردون منهم الحنطة بكثرة، ومع ذلك رضي رضي الله عنه أن يتأخر اقتصاد أهل اليمامة إلا بعد إذن الرسول صلى الله عليه وسلّم .
الشيخ : هذا فيه بيان جواز الأسر للكبار، وأهل الشرف والجاه، لأنهم يستحقون لك، حين كانوا كفّارا.
وفيه أيضا جواز ربط الأسير في المسجد، ولو كان كافراً، وذلك لأن نجاسة المشرك ليست نجاسة حسية حتى نقول كيف يمَكّن أن تبقى هذه الجرثومة النجسة في المسجد، ولكن نجاسة المشرك نجاسة معنوية، ولهذا لو أصابك شيء من بدنه في رطوبة فإنها ليست نجسة، فالنجاسة نجاسة المشرك نجاسة معنوية.
فإن قال قائل : هل يجوز أن يدخل الكافر المسجد ؟.
فالجواب : في هذا تفصيل، إن كنّا نخاف منه، فإننا لا نمكنه من دخول المسجد، وإن كنا لا نخاف ودخل، فإن كان لحاجة المسجد مثل الكهربائي والنجار والحداد يدخل لمصلحة المسجد فهذا جائز ولا إشكال فيه، لكن يجب أن يكون عليه رقيب، حتى لا يصنع الشيء على وجه سيء، وكذلك أيضاً إذا كان لحاجته هو وقد أمنّا منه، مثل أن يدخل المسجد ليشرب من برّادته أو نحو ذلك.
لو نقرأ الحديث قطعة قطعة كما فعلنا في الأحاديث الطويلة .
القارئ : ( بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ : ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ).
الشيخ : في هذا دليل أيضا على أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم له سواري، وسواري مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت من النخل، يعني نبع النخل يوقف، ويُربط عليه السقف من فوق، مثل ما نسميه عندنا بالمعشش.
القارئ : ( فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فَقَالَ : عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ ).
الشيخ : في هذا حسن ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال : ( ماذا عندك يا ثمامة ؟ ) . وفيه أيضاً الجواب بهذا الذي أجاب به ثمامة وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ( عندي خير ).
وهو أحسن من قول بعض الناس في عُرفنا : " عندي كل خير "، لأنه لا أحد يكون عنده كل خير، ولكن يقول : عندي خير. فلتُعَدّل هذه الكلمة من ألسُن الناس. فيقال بدل أن تقول : عندي كل خير ، أن تقول : عندي خير، والفرق بينهما ظاهر .
وفيه أيضا حُسن تعبير هذا الرجل ثمامة، حيث قال : ( إن تقتل تَقتُل ذا دم )، يعني تقتل رجُلاً مُستحقاً للقتل، وإن تُنعم تُنعم على شاكر ، يعني إن أنعمت عليّ وأطلقتني، فسأقوم بشُكر هذا .
والثالث : وإن كنت تريد المال فسل تُعطَ منه ما شئت. ثلاثة أشياء ، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُريد منه المال، وإن كان يجوز فداء الأسير بالمال.
القارئ : ( فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ : مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ قَالَ : مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ : مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فَقَالَ : عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ ).
الشيخ : حينئذ منّ عليه، منّ عليه بإطلاقه، لم يقتله، ولم يطلب منه مالًا، ولكنه أمر بإطلاقه ، وهذه منّة كُبرى من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه دليل على جواز إطلاق الأسير إذا اقتضت المصلحة ذلك، وهو الذي ذُكر في الترجمة، وفعلاً وُجدَ الشكر كما سيأتي .
القارئ : ( فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ).
الشيخ : قوله : ( فاغتَسَل ) قد يستدل به من يرى وجوب الاغتسال عند الإسلام، وكأن هذا أمرٌ مُقرّر حتى عرفه هذا الرجل الذي كان كافراً، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، أن من أسلم وجب عليه أن يغتسل. وقد ورد فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك، وذهب كثير من أهل العلم أن الاغتسال للإسلام ليس بواجب ولكنه سُنة، مستدلين بكثرة الذين يسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يُنقل أنه كان يأمرهم.
وهذا الاستدلال فيه نظَر، لأنه إذا ثبت الحكم في شخص فهو حُكم للجميع، ولا يحتاج أن نعلم أن كل واحد من الصحابة عملَ به، ولو اتخذنا هذا منهجاً لتعطّلت كثير من الشرائع، لأن الإنسان لا يستطيع أن يقول إن الصحابة عملوا بهذا، يكفينا أنه ورد به السنة، والأصل أن ما وردت به السنة حقّه أن يُعمَلَ به، هذا هو الأصل ، لا يحتاج أن نقول هل عمل به الصحاب، نقول الأصل أنهم يعملون به.
القارئ : ( يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ، مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ ).
الشيخ : هذا من صراحته، ومن تحدثه بنعمة الله، أما الصراحة فواضح ، لأنه صرح ما في وجه على الأرض أبغض إليه من وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التحدث بنعمة الله فهو أن الله نقله من هذه الحال إلى ضدّها، وعكسها، وأنه أصبح ما فيه وجه على الأرض أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القارئ : ( وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى ؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ : أَصَبَوْتَ، فَقَالَ : لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا وَاللهِ، لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).
الشيخ : ما شاء الله! الإيمان إذا دخلت بشاشتُهُ القلوبَ صار كلّ شيء رخيصاً عند حماية الإسلام، الرجل أقسم أنه لا تأتي لأهل مكة حبة حنطة إلا إذا أذنَ النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يكون اقتصاد بني حنيفة في تأخر، لأن أهل مكة يستوردون منهم الحنطة بكثرة، ومع ذلك رضي رضي الله عنه أن يتأخر اقتصاد أهل اليمامة إلا بعد إذن الرسول صلى الله عليه وسلّم .