تفسير قوله تعالى:" أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين. وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذين أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون. أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " وإثبات البعث والنشور. حفظ
الشيخ : وإني أضرب لكم مثلا في استدلال الله سبحانه وتعالى بل في إقامة الحجة من الله عز وجل على إمكان إحياء الموتى استمعوا إلى قوله تعالى : (( أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ )) وهذا الاستفهام معناه النفي والإنكار والاستبعاد أن يحي الله العظام وهي رميم فماذا قال الله ؟ قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم والقول للرسول والأمر للرسول أمر له ولأمته إلا أن يقوم دليل على خصوصيته به قال الله عز وجل : (( قل يحييها الذين أنشأها أول مرة )) هذا دليل كيف كان دليلا ؟ الذي أنشأها أول مرة هو الذي يحييها لأن القادر على إنشائها أول مرة قادر على إعادتها ثاني مرة قال الله تعالى : (( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه )) وقال تعالى : (( أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم )) هذا دليل، دليل عقلي واضح برهان قاطع يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو مقنع أو غير مقنع ؟ ها ؟ مقنع، كل إنسان لا بد أن يخضع لهذا البرهان والدليل .
الدليل الثاني : (( وهو بكل خلق عليم )) كل خلق فهو عليم به لأن عدم القدرة ناشئ عن أحد أمرين : إما الجهل، وإما العجز، إما الجهل، وإما العجز لو قال لك قائل هل يمكنك أن تصنع مثل هذا المسجل وأنت لم تعرف لا تعرف كيف تركبه كيف تضم بعضه إلى بعض حتى يكون مسجلا قابلا للصوت هل يمكن أن تصنع وأنت لا تدري ؟ أجب ؟
الطالب : ... .
الشيخ : لا يمكن، طيب إذا كنت عالما كيف تصنعه لكنك مشلول لا تقدر هل يمكن أن تصنع ؟ لماذا ؟ لعدم القدرة ولهذا قال الله تعالى : (( وما كان ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا )) والعجز إما من الجهل وإما من عدم القدرة (( وهو بكل خلق عليم )) هذا دليل ثاني (( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون )) هذا دليل ثالث على إمكان إحياء الموتى كيف هذا ؟ كيف كان دليلا ؟ الشجر الأخضر جامع بين الرطوبة والبرودة أليس كذلك طيب النار جامعة بين الحرارة وبين اليبوسة طيب الذي يخرج هذه النار الحارة اليابسة من هذا الشجر الأخضر الرطب البارد وهما متقابلان متضادان قادر على أن يحي العظام وهي رميم كم دليلا كان ؟ ها ثلاثة ولا أربعة ؟
الطالب : أربعة .
الشيخ : ما أسرع ما تنسون ها ؟
الطالب : ثلاثة .
الشيخ : ثلاثة : الأول : (( يحييها الذي أنشأها أول مرة )) .
الثاني : (( وهو بكل خلق عليم )) .
الثالث : (( الذي جع لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون )) .
الدليل الرابع : (( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم )) الجواب : (( بلى )) الذي خلق السماوات والأرض بما فيها من المصالح والمنافع وعلى عظمها وسعتها قادر على أن يخلق مثلهم أيما أعظم إعادة هذه العظام بعد أن كان رميما أو أن يخلق السماوات والأرض نعم واستمع (( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس )) فالذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثل هذا الإنسان من باب، من باب أولى قال الله تعالى : (( بلى )) أي هو قادر (( وهو الخلاق العليم )) هذا دليل خامس الخلاق صيغة مبالغة من وجه ونسبة من وجه آخر لأن كلمة فعال في اللغة العربية تقال للنسبة وتقال للفعل الكثير والأمر كله واقع بالنسبة لله عز وجل هو الخلاق الموصوف بالخلق وهو الخلاق كثير الخلق عز وجل من يحصي أجناس الخلق فضلا عن أنواع الخلق فضلا عن أفراد الخلق هل أحد يحصيها هل تحصي أجناس الخلائق لا يمكن هل تحصي أنواعها لا يمكن هل تحصي أفرادها لا يمكن فالله عز وجل خلاق لكثرة من يخلق ولو أننا أردنا أن نجتمع كلنا نحن الخلق على أن نحصي خلق الله عز وجل ما استطعنا (( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا )) الله أكبر (( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )) فكل مخلوق مراد وكل مراد يقال له كن فلا يحصي عدد الخلق إلا الله عز وجل (( بلى وهو الخلاق العليم )) هذا خمسة أدلة الدليل السادس (( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )) والذي هذا أمره وهذا شأنه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون والفاء هنا تدل على الترتيب والتعقيب فيكون أي أنه لا يتأخر أبدا أشد من طرف العين وأسرع من لمح البصر يقول الله عز وجل : (( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر )) واحدة فقط بدون إعادة وبدون تأخر كلمح بالبصر ولهذا قال هنا : (( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )) ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس : ( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ) لأن الله هو القادر على أن يعطيك وهو القادر على أن يعينك ( ولو اجتمع الخلق كلهم على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ) كل الخلق من الذي قال هذا ؟ قاله الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعلم الخلق بما يقول، وأنصح الخلق فيما يريد ويقصد، وأفصح الخلق في نطقه وكلامه عليه الصلاة والسلام، ففي كلامه العلم التام وفي كلامه النصح التام وفي كلامه البيان التام فلا مدخل لأحد على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن لأحد أن يقول لعله لم يرد هذا لعله أراد كذا لأن هذا الكلام قد تمت فيه جميع شروط القبول على أكمل وجه .