ما حكم استعمال الطيب الذي فيه الكحول؟وماهو الدليل؟ حفظ
السائل : ما حكم استعمال الطيب الذي فيه الكحول؟ وما هي أدلة المانعين والمجيزين لاستعماله؟ وجزاكم الله خيرا.
الشيخ : الطيب الذي فيه الكحول أولا ليس بنجس حتى لو أصاب الثياب فإنها لا تنجس، لأن القول الراجح أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسيّة، ودليل ذلك قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان )) فجعله رجسا عمليا وقرنه بالميسر والأنصاب والأزلام، وهذه الثلاثة ليست نجسة بالإتفاق.
دليل آخر من السنة أنه لما حرّمت الخمر لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الأواني منها، ولم يتحاش الصحابة رضي الله عنهم أن يريقوها في الأسواق، بل أراقوها في الأسواق، والنجس لا يجوز أن يراق في السوق.
دليل ثالث من السّنّة أيضا: أن رجلا قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن حرّمت الخمر، وكان معه راوية خمر، أتدرون ما الراوية؟ قربة كبيرة فيها خمر، فأهداها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقبلها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال ( إنها حرّمت )، ثم سارّه رجل يعني تكلم رجل من الصحابة مع الرجل الذي أهدى الراوية، قال له: بعها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل ( بم ساررته؟ قال: قلت بعها يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه )، ثم فتح الرجل فم الراوية وأراقها، ولم يأمره النبي عليه الصلاة والسلام بغسل الراوية بعد هذا الخمر ولم ينهه عن إراقتها في هذا المكان، وهذا يدل على أن الخمر غير نجسة.
دليل رابع: وهو أن الأصل الطهارة حتى يقوم دليل على النجاسة، وليس كل محرّم نجسا، صحيح؟ ليس كل محرم نجسا، وكل نجس محرّم، صحيح؟
ليس كل محرم نجسا انتهت الجملة، وكل نجس محرم؟ هاه؟ صحيح يا إخوان؟ نعم، ليس كل محرم نجسا، السّمّ محرم وهو نجس؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، ليس بنجس، الحرير على الرجال؟ لباسه؟
الطالب : محرم.
الشيخ : حرام وهو ليس بنجس، الذهب على الرجال؟ محرم وليس بنجس، طيب الدخان؟
الطالب : محرم.
الشيخ : محرّم وليس بنجس، إذن ليس كل محرّم نجسا هذه قاعدة.
وكل نجس محرم؟ هاه صحيح؟ كل نجس فهو محرّم، ودليل ذلك قوله تعالى (( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرّما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس )) فعلل الله التحريم بماذا؟ بالنجاسة، أخذنا من هذا أن كل نجس فهو محرّم.
إذن نقول: الخمر ثبت تحريمه بالكتاب والسّنّة وإجماع المسلمين ولهذا .. وهو عائش بين المسلمين .. لكن هل قام الدليل على أنه نجس؟ أبدا ما فيه دليل على أنه نجس، إذن الأصل فيه الطهارة مع التحريم حتى يقوم دليل على النجاسة.
وهنا قاعدتان مهمّتان: " الأصل في الأشياء الحل، والأصل في الأشياء الطهارة ما لم يرد التحريم في المسألة الأولى وما لم ترد النجاسة في المسألة الثانية " ..
وبناء على ذلك نقول: هذه الأطياب التي فيها شيء من الكحول ليست بنجسة، ولكن هل نقول يجوز استعمالها؟ نقول أما شربها فلا شك أنها حرام لأنها تسكر، وأما استعمالها في التطيب فهو محل نظر، لأننا إذا نظرنا إلى عموم قوله تعالى (( فاجتنبوه )) قلنا يجب اجتناب الخمر وما فيه خمر مطلقا، وإذا نظرنا إلى تعليل الأمر بالاجتناب ما هو التعليل؟ (( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون )) وهذا لا يحصل فيما إذا تطيب به الإنسان قلنا إن هذا جائز.
والذي أرى لما صارت الأدلة محتملة أن لا يستعمل الإنسان هذا الطيب إلا للحاجة، مثل: أن يريد أن يعقّم جرحا، أو ما أشبه ذلك، أو يكون مثلا فيه رائحة كريهة وليس عنده طيب سواه، فيريد أن يتطيب لزوال الرائحة الكريهة، فهذه حاجة ولا بأس بها إن شاء الله.
القارئ : أحسن الله إليكم.