كلمة للشيخ حول تفسير قوله تعالى: "أولم يرى الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم.....................فسبحانه الذي بيده ملكوت كل شيىء وإليه ترجعون ". حفظ
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد فإننا أيها الإخوة استمعنا فيما تلاه علينا أئمتنا في هذه الليلة إلى آيات من كتاب الله عز وجل أحب أن أتكلم على موضعين منهما ثم نأتي إلى ما وعدنا به في البارحة من الكلام على الصيام أما الأول فقوله تبارك وتعالى : (( أولم ير الإنسان أن خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم )) والمراد بالإنسان هنا الإنسان المنكر بالبعث سواء كان معينا بشخصه أو معينا بوصفه واعلم أن ما جاء في كتاب الله عز وجل فإنه معين بوصفه غالبا وإن جاء ذكر أحد بعينه فإنما ذلك لمعنى يقتضيه (( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة )) فإذا هو بعد أن خلق من هذه النطفة الجامدة التي ليس فيها إحساس وليس فيها بيان ولا نضج (( إذا هو خصيم مبين )) يخاصم بخصومة بليغة ومن جملة ما يخاصم فيه أنه يقول : (( من يحي العظام وهي رميم )) أتدرون ما الرميم ؟ الرميم هي العظام البالية النخرة فيقول هذا الإنسان المنكر للبعث يقول كيف تحي هذه العظام هذه العظام التي رنت وبليت وتربت من الذي يحيها استمع إلى الجواب ثم استمع إلى ما تضمنه هذا الجواب من الأدلة العقلية البرهانية يقول الله تعالى : (( قل يحيها الذي أنشأها أول مرة )) هذا هو الدليل الأول دليل عقلي برهاني لا يمكن أن ينكره أحد فيقال لهذا الذي يقول من يحي العظام وهي رميم يقال له من الذي أنشأها أول مرة ؟ فسيقول الله عز وجل فقل يحيها الذي أنشأها أول مرة لأن القادر على ابتداء الخلق قادر على إعادته من باب أولى كما قال الله عز وجل : (( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه )) أي إعادته أهون عليه وهذا الدليل أيها الإخوة هل هو دليل معقول أم دليل يمكن أن يجادل فيه المجادل ؟ نعم معقول لأن المعروف أن الإعادة أهون من الابتداء أرأيت لو بنيت قصرا فخما مشيدا ثم انهدم هذا البناء ثم أراد أحد أن يعيده أليس الإعادة أهون من الابتداء ؟ بلى لأنها لا تحتاج إلى تخطيط ولا إلى إنشاء من جديد وإنما تحتاج إلى إعادة والإعادة أهون ولهذا قال : (( قل يحيها الذي أنشأها أول مرة )) وهذا دليل الدليل االثاني (( وهو بكل خلق عليم )) فالعليم بكل خلق الذي لا يخفى عليه كيف يخلق ولا كيف ينشئ عليم بإعادة الخلق وكيف يعاد هذا الخلق وهذا استدلال بعموم علم الله عز وجل بكل خلق ولا يمكن أن يكون العجز عن الشيء إلا لأحد أمرين إما الجهل وإما العجز ولهذا لو قيل لشخص ما اصنع لنا مسجلا وهو لا يدري كيف يصنع فهل يمكن أن يصنع المسجل لا يمكن هو لم يدرس كيف ينشأ هذا المسجل ولا يعلم هل يمكن أن ينشئه لا ولو قيل لإنسان عالم بهذه الصنعة لكنه غير قادر عليها لو قيل له اصنع هذا المسجل هل يصنعه أو لا رجل يا إخواني أشل أشل ما يعمل بيديه لكنه قد درس كيف تصنع هذه المسجلات هل يمكن أن يصنع هذا المسجل ؟ لا لماذا لأنه ليس بقادر فالرب عز وجل بكل خلق عليم وهو قادر عليه فهذا دليل آخر على إمكان إعادة العظام الرميمة الدليل الثالث قوله تعالى : (( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون )) جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه منه ولم يقل به قال منه توقدون وكيف ذلك ذلك أن هناك شجرا معروفا كان الناس يستعملونه قبل إيجاد الوسائل الأخيرة شجر يضرب بالزند الزند نوع من الحديد يضرب به هذا الشجر هكذا ثم ينقدح نارا فيوقد الناس بها تصورتم الموضوع ولا لا ؟
السائل : ما اسم الشجرة يا شيخ.
الشيخ : الشجرة عام عرفتم الموضوع هي الشجر يضرب به الزند أو يضرب بالزند فينقدح نارا يوقد الناس منها فاهمين هذا ؟
السائل : لا.
الشيخ : الشجر الأخضر هل ينافي النار، نعم ينافيها لأن النار حارة ويابسة والشجر الأخضر رطب بارد رطب بارد ومع ذلك يخرج الله هذه النار الحارة اليابسة من هذا الشجر الأخضر الرطب البارد والقادر على إيجاد الشيء من ضده قادر على إعادة هذه العظام الرميمة بعد أن كانت رميما أليس كذلك يا جماعة ؟
السائل : بلى.
الشيخ : طيب هذا دليل ثالث ولا رابع ؟ ثالث (( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون )) لا يخفى عليكم الأمر توقدون منه كل حين وحين الدليل الرابع : (( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم )) أيما أكبر خلق الإنسان أم خلق السماوات والأرض ؟ خلق السماوات والأرض لأن الله يقول : (( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس )) فخلق السماوات والأرض أعظم من خلق الإنسان فالذي قدر على خلق السماوات والأرض وعلى إيجادهما وما فيهما من المصانع والمنافع والكواكب العظيمة الهائلة قادر على أن يعيد هذه العظام بعد أن كانت رميما كما نسمع الآن (( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم )) الجواب : بلى قادر على أن يخلق مثل الإنسان لأنه خلق السماوات والأرض وهي أعظم من خلق الإنسان الدليل الخامس (( وهو الخلّاق العليم )) الخلّاق من الناحية اللغوية صيغة مبالغة تدل على كثرة خلق الله عز وجل وهي من وجه آخر صفة مشبهة تدل على اتصاف الله عز وجل بالخلق اتصافا لا ينفك منه ولهذا لم يزل الله عز وجل ولا يزال خلّاقا عليما ولهذا قال : (( بلى وهو الخلّاق العليم )) الخلّاق القادر على الإيجاد العليم بذلك قادر على أن يعيد العظام وهي رميم حتى تكون خلقا جديدا الدليل السادس (( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )) إنما أمره إذا أراد شيئا عندنا كلمة شيئا نكرة في سياق إيش في سياق إيش يا الجماعة (( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )).
السائل : سياق الشرط.
الشيخ : نكرة في سياق الشرط والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم يعني إذا أراد أي شيء من الأشياء أن يقول له كن فقط فيكون انتبه إلى كلمة فيكون الفاء دالة على الترتيب وعلى السببية أيضا يكون هذا الشيء فور قول الله عز وجل كن ويتأخر المراد عن الأمر أو لا يتأخر أسألكم هل يتأخر أو يأتي فورا بدون مهلة نعم يأتي فورا بدون مهلة ما الدليل ؟ (( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر )) واحدة ثم يكون المأمور كلمح بالبصر وهل ترون شيئا أسرع من لمح البصر أبدا إذا مراد الله عز وجل الذي أمره أن يكون يأتي بمرة واحدة كلمح بالبصر وانظر إلى البعث هل يتأخر عن أمر الله يقول الله عز وجل : (( فإنما هي زجرة واحدة )) زجرة واحدة (( فإذا هم بالساهرة )) على وجه الأرض ويقول كما سمعنا قبل قليل : (( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون )) كلهم محضرون إلى الله عز وجل بهذه الكلمة الواحدة فالذي يقول للشيء كن فيكون قادر على أن يعيد هذه العظام التي كانت رميما يعيدها خلقا آخر (( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلّاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء )) هذا الدليل هو الدليل السابع : (( سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء )) أي تحت قدرته وقهره ملكوت بمعنى ملك لكنها على صيغة المبالغة ملكوت كل شيء يعني جميع الملك بيد الله عز وجل لا يستعصي عليه شيء ومن بيده ملكوت كل شيء لا يمكن أن يعجزه شيء وأما الدليل الثامن فهو قوله تعالى : (( وإليه ترجعون )) ووجه الدلالة من هذه الآية وجه الدلالة من هذه الجملة الإشارة إلى أن الله عز وجل إنما خلق الخلق من أجل أن يرجعوا إليه خلق الله الخلق لأجل أن يرجعوا إليه لأنه لو خلق الخلق دون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء هذا هو الدليل السابع (( وإليه ترجعون )) يعني أن مرجع الخلق إلى الله فإذا كان المرجع إلى الله فلا بد أن يحي هذه العظام الرميمة حتى يجازي كل إنسان بما يستحق (( فمن يعمل مثال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )).