يقول السائل : نعاني في كثير من المناطق مواجهة الشباب الملتزم بعضه لبعض فهذا يسب هذا ويتبرأمنه والآخر نفس الشيء أريد منكم النصيحة لنا وما رأيكم في تعدد الجماعات في وقتنا الحاضر كما أن لجماعة التبليغ لها أثر كبير في الدعوة إلى الله عز وجل وهل ترى أنه لاحرج في المشاركة والخروج معهم إلى الداخل و الخارج.؟ حفظ
السائل : نعاني في كثير من المناطق من مواجهة الشباب الملتزم بعضهم لبعض، فهذا يسب هذا ويتبرأ منه والآخر نفس الشيء أريد من فضيلتكم النصيحة لنا؟
فما رأيكم في تعدد الجماعات في وقتنا الحاضر، كما أن لجماعة التبليغ أثر كبير في الدعوة إلى الله عز وجل وهل تنصحنا أو ترى أنه لا حرج في المشاركة والخروج معهم إلى الداخل والخارج؟
الشيخ : لا شك بأن هذا الذي حدث للإخوة أو الشباب الملتزم من التفرق وتضليل بعضهم بعضاً وحمل العداوة والبغضاء لمن لا يوافقهم على منهجهم، لا شك أنه محزن ومؤسف، وربما يؤدي إلى انتكاسة عظيمة، ومثل هذا التفرق هو قرة عين شياطين الإنس والجن، لأن شياطين الإنس والجن لا يودون من أهل الخير أن يجتمعوا على شيء، يريدون أن يتفرقوا، لأنهم يعلمون أن التفرق تفتت للقوة التي تحصل بالالتزام والاتجاه إلى الله عز وجل، ويدل لهذا قوله تعالى: (( وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )) ،
(( ولاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ))، (( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ))، (( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )).
فالله تعالى قد نهانا عن التفرق وبين لنا عواقبه الوخيمة، والواجب علينا أن نكون أمة واحدة، وكلمة واحدة وإن اختلفت آراؤنا في بعض المسائل أو في بعض الوسائل، فإن الواجب علينا أن نكون أمة واحدة .
فالتفرق فساد وشتات للأمر وموجب للضعف ضعف الأمة الإسلامية.
والصحابة رضي الله عنهم حصل بينهم الاختلاف، لكن لم يحصل التفرق ولا العداوة ولا البغضاء.
حصل بينهم الاختلاف حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة الأحزاب، وجاءه جبريل يأمره أن يخرج إلى بني قريظة لنقضهم العهد، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ( لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ منكم الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ )، خرجوا من المدينة إلى بني قريظة وحان وقت صلاة العصر، فماذا تفهمون بارك الله فيكم هل تفهمون أن نبقى لا نصلي العصر إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس؟ أو تفهمون من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ندبهم للمبادرة حتى لا يحين وقت صلاة العصر إلا وهم في بني قريظة؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الثاني هو الأقرب، لكن مع ذلك اختلف الصحابة فمنهم من قال لا نصلي إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ))، فنقول: سمعنا وأطعنا .
ومنهم من قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد بذلك المبادرة والإسراع إلى الخروج، وإذا حان الوقت صليناها في أي مكان.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم ولم يوبخه على ما فهم، وهم بأنفسهم لم يتفرقوا من أجل اختلاف الرأي في فهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا يجب علينا ألا نتفرق وأن نكون أمة واحدة.
وأما أن يحصل التفرق فيقال: هذا من السلفيين، وهذا من الإخوانيين، وهذا من التبليغيين، وهذا من السنيين، وهذا من المقلدين، وهذا من كذا، وهذا من كذا ونتفرق، فهذا خطره عظيم، والأمل الذي نؤمله من هذه الصحوة واليقظة الإسلامية سوف يتلاشى، إذا علمنا أن هذه الصحوة سيكون منها طوائف متفرقة يضلل بعضها بعضاً ويسفه بعضها بعضاً.
والطريق أو الحل لهذه المشكلة: أن نسلك ما سلكه الصحابة رضي الله عنهم، وأن نعلم أن هذا الخلاف الصادر عن اجتهاد - في مكان يسوغ فيه الاجتهاد - أن نعلم أن هذا الخلاف لا يؤثر، بل إنه في الحقيقة وفاق.
كيف ذلك ؟ أنا أخالفك في مسألة من المسائل، لأن مقتضى الدليل عندي خلاف ما تقول، وأنت تخالفني في هذه المسألة، لأنه مقتضى الدليل عندك خلاف ما أقول أنا، فهل نحن في الواقع مختلفون؟
لا، كلنا أخذ بما رأى بناء على أن هذا مقتضى الدليل.
إذن فمقتضى الدليل أمام أعيننا جميعاً، وكلنا لم يأخذ برأيه إلا لأنه مقتضى الدليل، فأنا أحمدك وأثني عليك لأنك تجرأت على مخالفتي، وأنا أخوك وصاحبك، لأن هذه المخالفة مقتضى الدليل عندك، فالواجب عليَّ ألا يكون في نفسي عليك شيء، بل أنا أحمدك على ما ذهبت إليه، وأنت كذلك.
ولو أننا ألزمنا أحدنا أن يأخذ بقول الآخر، لكان إلزامي إياه أن يأخذ بقولي ليس أولى بإلزامه إياي أن آخذ بقوله.
ولذلك أقول : يجب أن نجعل هذا الخلاف - المبني على اجتهاد - أن نجعله ليس خلافاً بل وفاقاً، حتى تجتمع الكلمة ويحصل الخير.
ولكن إذا قال قائل : قد تكون هذه معالجة غير متيسرة بالنسبة لعامة الناس، فما هو الحل ؟
الحل: أن يجتمع رؤساء القوم وأعيان القوم من كل طائفة للنظر والبحث في مسائل الاختلافات بيننا حتى نكون متحدين ومؤتلفين.
ولقد جرى مسألة قد تكون غريبة عندكم، جرت على يدي ويد بعض الإخوة ونحن في منى في سنة من السنين جيء بطائفتين، كل طائفة تتكون من ثلاثة رجال أو أربعة، كل واحدة تقول للأخرى إنها كافرة ملعونة، وهم حجاج، ويش الخبر؟
الخبر: قالت إحدى الطائفتين : هذه الطائفة إذا قامت تصلي تضع اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر، وهذا كفر بالسّنة، ويش السنة عندكم؟
قالوا السّنة عندنا أن نرسل اليدين هكذا نخليها على الفخذين.
والأخرى تقول: إن إرسال اليدين على الفخذين دون أن يجعل اليمنى على اليسرى هذا كفر مبيح للعنة، وكان النزاع بينهم شديداً جدا .
ولكن بجهود الإخوان وبيان ما يجب أن تكون عليه الأمة الإسلامية من ائتلاف ذهبوا وكل واحد منهم راضٍ عن الآخر، فانظر كيف لعب الشيطان بهم.
هذه المسألة التي اختلفوا فيها حتى بلغ أن كفر بعضهم بعضاً بسببها، ايش حكمها في الإسلام؟ هي سنة من السنن، ليست من أركان الإسلام، ولا من فرائضه، ولا من واجباته، غاية ما هنالك أن بعض العلماء يرى أن وضع اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر هو السنة، وآخرون من أهل العلم يقولون: إن السنة هو الإرسال، مع أن الصواب الذي دلت عليه السنة هو وضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى، كما قال سهل بن سعد رضي الله عنه، فيما رواه البخاري قال : ( كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاةِ ).
واضح يا جماعة؟
فأنا أرجو الله سبحانه وتعالى أن يمن على إخواننا - الذين لهم مشارب ومناهج في وسائل الدعوة - أن يمن عليهم بالائتلاف والمحبة وصلاح القلوب، وإذا حسنت النية سهل العلاج، أما إذا لم تحسن النية وكان كل واحد منهم معجباً برأيه ولا يهمه غيره فإن النجاح سيكون بعيداً .
المسائل العقيدية يجب أن تصحح، وما كان على خلاف مذهب السلف فإنه يجب إنكاره، ويجب التحذير ممن يسلك ما يخالف مذهب السلف في باب العقائد.
الطالب : يقول وهل تنصحنا وترى أنه لا حرج في مشاركتهم والخروج معهم في الداخل والخارج؟
الشيخ : من؟
الطالب : جماعة التبليغ.
الشيخ : بالنسبة لجماعة التبليغ ، رأيي فيهم: أنهم جماعة نفع الله بهم نفعاً عظيماً، فكم من إنسان عاص هداه الله على أيديهم، بل كم من إنسان كافر دخل في الإسلام على أيديهم، وتأثيرهم لا أحد ينكره في الواقع، ولكن لا شك أن عند القوم جهلا كثيراً، وأنهم يحتاجون إلى طلبة العلم الذين يشاركونهم ويبينون لهم ما هم عليه من بعض الأشياء التي يفعلونها ظناً منهم أنها لا بأس بها وأنها مفيدة وهي في الحقيقة تحتاج إلى تصحيح، مثل تقييد بعضهم الخروج بثلاثة أيام، أو أربعة أيام، أو أربعين يوماً، أو ستة شهور، أو ما أشبه ذلك .
هم يقولون: إننا نفعل هذا من باب الوسيلة وليس من باب القصد، أي أننا لا نعتقد أن هذا أمر مشروع أو أنه يتعبد لله به، لكن نعتقد أن هذا التقدير من أجل شد الإنسان والتزامه لأجل أن يتكيف للدعوة والحق والانتقال عن الترف، وما أشبه ذلك .
فالذي أرى فيهم: أنهم بلا شك عندهم صلاح، وفيهم نفع وخير كثير، لكن عندهم جهل كثير يحتاجون إلى طلبة العلم الذين يبينون لهم.
كما أني أنتقد عليهم: أن بعضهم - ولا أقول كلهم - إذا دخلت معهم في مناقشة للعلم تجد منه أنه لا يرتاح لذلك، ولا يحب المناقشة أو التعمق في العلم، وهذا بلا شك خطأ، لأن الواجب على الإنسان - ولا سيما الشباب - أن يكون حريصاً على العلم وعلى البحث فيه، ولكن بهدوء وطلب للحق لا بجدال وشدة وعنف كما يوجد من بعض الناس، بعض الناس مثلا يجي يبحث معك يقول: أنا أناقشك في هذا وأتحداك، وهات الدليل، وماه أشبه ذلك.
ما هو هذا من آداب طالب العلم.
فأقول : إن بعض هؤلاء أعني جماعة التبليغ بعضهم لا يحب الدخول في مناقشة علمية وتعمق في العلم، وهذا بلا شك من النقص.
كما أني أيضاً أحب أن يكون هؤلاء الجماعة على صلة بإخوانهم الآخرين، وأن يجتمعوا جميعاً على كلمة واحدة، هذا يتعلم من هذا العلوم الشرعية، وهذا يتعلم من هذا الأخلاق والآداب والسماحة، والله أعلم .
فما رأيكم في تعدد الجماعات في وقتنا الحاضر، كما أن لجماعة التبليغ أثر كبير في الدعوة إلى الله عز وجل وهل تنصحنا أو ترى أنه لا حرج في المشاركة والخروج معهم إلى الداخل والخارج؟
الشيخ : لا شك بأن هذا الذي حدث للإخوة أو الشباب الملتزم من التفرق وتضليل بعضهم بعضاً وحمل العداوة والبغضاء لمن لا يوافقهم على منهجهم، لا شك أنه محزن ومؤسف، وربما يؤدي إلى انتكاسة عظيمة، ومثل هذا التفرق هو قرة عين شياطين الإنس والجن، لأن شياطين الإنس والجن لا يودون من أهل الخير أن يجتمعوا على شيء، يريدون أن يتفرقوا، لأنهم يعلمون أن التفرق تفتت للقوة التي تحصل بالالتزام والاتجاه إلى الله عز وجل، ويدل لهذا قوله تعالى: (( وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )) ،
(( ولاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ))، (( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ))، (( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )).
فالله تعالى قد نهانا عن التفرق وبين لنا عواقبه الوخيمة، والواجب علينا أن نكون أمة واحدة، وكلمة واحدة وإن اختلفت آراؤنا في بعض المسائل أو في بعض الوسائل، فإن الواجب علينا أن نكون أمة واحدة .
فالتفرق فساد وشتات للأمر وموجب للضعف ضعف الأمة الإسلامية.
والصحابة رضي الله عنهم حصل بينهم الاختلاف، لكن لم يحصل التفرق ولا العداوة ولا البغضاء.
حصل بينهم الاختلاف حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة الأحزاب، وجاءه جبريل يأمره أن يخرج إلى بني قريظة لنقضهم العهد، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ( لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ منكم الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ )، خرجوا من المدينة إلى بني قريظة وحان وقت صلاة العصر، فماذا تفهمون بارك الله فيكم هل تفهمون أن نبقى لا نصلي العصر إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس؟ أو تفهمون من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ندبهم للمبادرة حتى لا يحين وقت صلاة العصر إلا وهم في بني قريظة؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الثاني هو الأقرب، لكن مع ذلك اختلف الصحابة فمنهم من قال لا نصلي إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ))، فنقول: سمعنا وأطعنا .
ومنهم من قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد بذلك المبادرة والإسراع إلى الخروج، وإذا حان الوقت صليناها في أي مكان.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم ولم يوبخه على ما فهم، وهم بأنفسهم لم يتفرقوا من أجل اختلاف الرأي في فهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا يجب علينا ألا نتفرق وأن نكون أمة واحدة.
وأما أن يحصل التفرق فيقال: هذا من السلفيين، وهذا من الإخوانيين، وهذا من التبليغيين، وهذا من السنيين، وهذا من المقلدين، وهذا من كذا، وهذا من كذا ونتفرق، فهذا خطره عظيم، والأمل الذي نؤمله من هذه الصحوة واليقظة الإسلامية سوف يتلاشى، إذا علمنا أن هذه الصحوة سيكون منها طوائف متفرقة يضلل بعضها بعضاً ويسفه بعضها بعضاً.
والطريق أو الحل لهذه المشكلة: أن نسلك ما سلكه الصحابة رضي الله عنهم، وأن نعلم أن هذا الخلاف الصادر عن اجتهاد - في مكان يسوغ فيه الاجتهاد - أن نعلم أن هذا الخلاف لا يؤثر، بل إنه في الحقيقة وفاق.
كيف ذلك ؟ أنا أخالفك في مسألة من المسائل، لأن مقتضى الدليل عندي خلاف ما تقول، وأنت تخالفني في هذه المسألة، لأنه مقتضى الدليل عندك خلاف ما أقول أنا، فهل نحن في الواقع مختلفون؟
لا، كلنا أخذ بما رأى بناء على أن هذا مقتضى الدليل.
إذن فمقتضى الدليل أمام أعيننا جميعاً، وكلنا لم يأخذ برأيه إلا لأنه مقتضى الدليل، فأنا أحمدك وأثني عليك لأنك تجرأت على مخالفتي، وأنا أخوك وصاحبك، لأن هذه المخالفة مقتضى الدليل عندك، فالواجب عليَّ ألا يكون في نفسي عليك شيء، بل أنا أحمدك على ما ذهبت إليه، وأنت كذلك.
ولو أننا ألزمنا أحدنا أن يأخذ بقول الآخر، لكان إلزامي إياه أن يأخذ بقولي ليس أولى بإلزامه إياي أن آخذ بقوله.
ولذلك أقول : يجب أن نجعل هذا الخلاف - المبني على اجتهاد - أن نجعله ليس خلافاً بل وفاقاً، حتى تجتمع الكلمة ويحصل الخير.
ولكن إذا قال قائل : قد تكون هذه معالجة غير متيسرة بالنسبة لعامة الناس، فما هو الحل ؟
الحل: أن يجتمع رؤساء القوم وأعيان القوم من كل طائفة للنظر والبحث في مسائل الاختلافات بيننا حتى نكون متحدين ومؤتلفين.
ولقد جرى مسألة قد تكون غريبة عندكم، جرت على يدي ويد بعض الإخوة ونحن في منى في سنة من السنين جيء بطائفتين، كل طائفة تتكون من ثلاثة رجال أو أربعة، كل واحدة تقول للأخرى إنها كافرة ملعونة، وهم حجاج، ويش الخبر؟
الخبر: قالت إحدى الطائفتين : هذه الطائفة إذا قامت تصلي تضع اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر، وهذا كفر بالسّنة، ويش السنة عندكم؟
قالوا السّنة عندنا أن نرسل اليدين هكذا نخليها على الفخذين.
والأخرى تقول: إن إرسال اليدين على الفخذين دون أن يجعل اليمنى على اليسرى هذا كفر مبيح للعنة، وكان النزاع بينهم شديداً جدا .
ولكن بجهود الإخوان وبيان ما يجب أن تكون عليه الأمة الإسلامية من ائتلاف ذهبوا وكل واحد منهم راضٍ عن الآخر، فانظر كيف لعب الشيطان بهم.
هذه المسألة التي اختلفوا فيها حتى بلغ أن كفر بعضهم بعضاً بسببها، ايش حكمها في الإسلام؟ هي سنة من السنن، ليست من أركان الإسلام، ولا من فرائضه، ولا من واجباته، غاية ما هنالك أن بعض العلماء يرى أن وضع اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر هو السنة، وآخرون من أهل العلم يقولون: إن السنة هو الإرسال، مع أن الصواب الذي دلت عليه السنة هو وضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى، كما قال سهل بن سعد رضي الله عنه، فيما رواه البخاري قال : ( كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاةِ ).
واضح يا جماعة؟
فأنا أرجو الله سبحانه وتعالى أن يمن على إخواننا - الذين لهم مشارب ومناهج في وسائل الدعوة - أن يمن عليهم بالائتلاف والمحبة وصلاح القلوب، وإذا حسنت النية سهل العلاج، أما إذا لم تحسن النية وكان كل واحد منهم معجباً برأيه ولا يهمه غيره فإن النجاح سيكون بعيداً .
المسائل العقيدية يجب أن تصحح، وما كان على خلاف مذهب السلف فإنه يجب إنكاره، ويجب التحذير ممن يسلك ما يخالف مذهب السلف في باب العقائد.
الطالب : يقول وهل تنصحنا وترى أنه لا حرج في مشاركتهم والخروج معهم في الداخل والخارج؟
الشيخ : من؟
الطالب : جماعة التبليغ.
الشيخ : بالنسبة لجماعة التبليغ ، رأيي فيهم: أنهم جماعة نفع الله بهم نفعاً عظيماً، فكم من إنسان عاص هداه الله على أيديهم، بل كم من إنسان كافر دخل في الإسلام على أيديهم، وتأثيرهم لا أحد ينكره في الواقع، ولكن لا شك أن عند القوم جهلا كثيراً، وأنهم يحتاجون إلى طلبة العلم الذين يشاركونهم ويبينون لهم ما هم عليه من بعض الأشياء التي يفعلونها ظناً منهم أنها لا بأس بها وأنها مفيدة وهي في الحقيقة تحتاج إلى تصحيح، مثل تقييد بعضهم الخروج بثلاثة أيام، أو أربعة أيام، أو أربعين يوماً، أو ستة شهور، أو ما أشبه ذلك .
هم يقولون: إننا نفعل هذا من باب الوسيلة وليس من باب القصد، أي أننا لا نعتقد أن هذا أمر مشروع أو أنه يتعبد لله به، لكن نعتقد أن هذا التقدير من أجل شد الإنسان والتزامه لأجل أن يتكيف للدعوة والحق والانتقال عن الترف، وما أشبه ذلك .
فالذي أرى فيهم: أنهم بلا شك عندهم صلاح، وفيهم نفع وخير كثير، لكن عندهم جهل كثير يحتاجون إلى طلبة العلم الذين يبينون لهم.
كما أني أنتقد عليهم: أن بعضهم - ولا أقول كلهم - إذا دخلت معهم في مناقشة للعلم تجد منه أنه لا يرتاح لذلك، ولا يحب المناقشة أو التعمق في العلم، وهذا بلا شك خطأ، لأن الواجب على الإنسان - ولا سيما الشباب - أن يكون حريصاً على العلم وعلى البحث فيه، ولكن بهدوء وطلب للحق لا بجدال وشدة وعنف كما يوجد من بعض الناس، بعض الناس مثلا يجي يبحث معك يقول: أنا أناقشك في هذا وأتحداك، وهات الدليل، وماه أشبه ذلك.
ما هو هذا من آداب طالب العلم.
فأقول : إن بعض هؤلاء أعني جماعة التبليغ بعضهم لا يحب الدخول في مناقشة علمية وتعمق في العلم، وهذا بلا شك من النقص.
كما أني أيضاً أحب أن يكون هؤلاء الجماعة على صلة بإخوانهم الآخرين، وأن يجتمعوا جميعاً على كلمة واحدة، هذا يتعلم من هذا العلوم الشرعية، وهذا يتعلم من هذا الأخلاق والآداب والسماحة، والله أعلم .