تفسير آيات من سورة " ق " ومعنى قوله تعالى :" وجاءت سكرة الموت بالحق .ذلك ما كنت منه تحيد.". حفظ
الشيخ : بسم لله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد : فإننا سمعنا ما تلاه إمامنا من هذه السورة العظيمة سورة ق التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها أحيانا في صلاة العيد، وذلك لأنها سورة عظيمة فيها آيات بينات ومواعظ مذكرات، وكان يخطب بها يوم الجمعة عليه الصلاة والسلام.
ونتكلم على جانب منها وهو قوله تعالى : (( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد )).
هذه السكرة التي يطيش فيها الإنسان ويفقد فيها عقله، ليست سكرة طرب ولا سكرة شرب، ولكنها سكرة فراق الدنيا، فإن الإنسان في تلك الحال يشعر بأنه قد ارتحل وأنه ترك أهله وولده وماله ولم يبق إلا عمله، ولهذا إذا كان مؤمنا -وأسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم من المؤمنين - فإنه يقال لروحه : ( أخرجي أيتها النفس المطمئنة، أخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان )، ويبشر بالجنة في تلك اللحظة الرهيبة العظيمة، فتخرج روحه منقادة سهلة الخروج، لأنها بشرت بما هو خير من الدنيا وما فيها، وينتقل من الدنيا دار الأكدار والأحزان والهموم إلى دار النعيم المقيم، كما قال الله تعالى : (( كذلك يجزي الله المتقين * الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ))، وقال تعالى : (( فأما إن كان من المقربين فروح رويحان وجنة نعيم )).
يقول الله عز وجل : (( وجاءت سكرة الموت بالحق )) وثبت ما وعد الله وأيقن الإنسان أنه منتقل عن الدنيا إلى الاخرة (( ذلك ما كنت منه تحيد )) أي: ذلك الشيء أو ذلك هو الشيء الذي كنت تحيد عنه وتفر منه، ف(ما) اسم موصول، أي: ذلك الذي كنت منه تحيد وتفر، ولكن فرارك منه لن ينقذك منه (( أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ))، (( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم )). ووالله إن شيئا تفر منه وهو يلاقيك لهو مدركك، ليس هذا الموت الذي تفر منه يمشي خلفك ويتبعك حتى تتوهم أنك تنجو منه، ولكنه ملاقيك، أنت تفر منه إليه ولا بد.
" فهن المنايا أي واد نزلته ***عليك القدوم أو عليها ستقدم ".
ولا بد من هذا، وقال بعض العلماء: إن (( ما )) نافية في قوله : (( ما كنت منه تحيد ))، أي: ذلك شيء لا محيد لك عنه.
والمعنيان لا يتنافيان، وقد سبق لنا قاعدة، وهي: أن النص إذا تضمن معنيين لا يتنافيان فالواجب حمله عليهما جميعا إلا إذا كان هناك مرجح يرجح أحد المعنيين فليعمل به.