تابع للرد على استدلال من احتج بالقدر على المعاصي بحديث محاجة آدم لموسى عليهما الصلاة والسلام . حفظ
الشيخ : أي غلبه بالحجة، فهذا استدلال بالقدر، خصم فيه آدم موسى.
وكذلك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما وهما لم يقوما في صلاة الليل، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لامهما فقال علي : يا رسول الله، إن أنفسنا بيد الله -يعني وكنا نائمين- فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب على فخذه ويقول : ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ).
فهنا لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم احتجاج علي بن أبي طالب بكونه قد نام ونفسه بيد الله عز وجل فلو شاء لأقامها.
طيب، هذا الحديثان قد يحتج بهما من يحتج بالقدر.
ولكن أهل العلم أجابوا على ذلك، فقالوا : أما قصة آدم وموسى فإن موسى عليه الصلاة والسلام لم يلم آدم على ما وقع منه من المعصية، وهي أكله من الشجرة، وإنما احتج أو ذكر المصيبة وهي الإخراج من الجنة، ودليل ذلك: أن موسى عليه الصلاة والسلام أعلم وأفقه وآدب من أن يلوم أباه على ذنب قد تاب منه، وقال الله فيه : (( وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ))، فلا يمكن لموسى أن يعتب على أبيه بذنب قد تاب منه واجتباه الله تعالى وهداه بعد هذا الذنب، وإنما كان عتب موسى على آدم من جهة ايش؟ الإخراج من الجنة، والإخراج من الجنة مصيبة أو لا؟ مصيبة. والمصيبة يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر عليها، لأن المصيية ليست من فعلك، بل هي من تقدير الله عز وجل.
ونظير ذلك رجل سافر من البلد، فأصيب بحادث فجئت تلومه، تلومه تقول : أخطأت ليش تسافر؟ هل يتوجه هذا اللوم أو لا؟ لا يتوجه هذا اللوم، لأنه هو لم يسافر من أجل الحادث أبدا، وسيقول لك إذا لمته: هذا بقضاء الله وقدره، وإذا قال هذا بقضاء الله وقدره يلام أو يقبل عذره أو لا؟ يقبل، لأن الرجل لم يخرج أو لم يسافر من أجل أن يحصل له الحادث.
هكذا آدم لم يأكل الشجرة من أجل أن يخرج من الجنة، أبدا، ولكن الشيطان وسوس له وقاسمه وغره وقال : (( هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ))، فنسي عليه الصلاة والسلام ما عهد الله به إليه في قوله : (( ولا تقربا هذه الشجرة )). فحصلت المصيبة وأخرج من الجنة.
فالمهم أن احتجاج آدم عليه الصلاة والسلام ليس من باب الاحتجاج بالقدر على المعصية، ولكنه من باب الاحتجاج بالقدر على المصيبة، وهذا أمر جائز، ولا بأس به.