مادة إضافية : شرح كتاب البيوع من بلوغ المرام. حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. قال رحمه الله تعالى : كتاب البيوع.
قال المؤلف : " كتاب "، لأن هذا مستقل عما سبق وهو من جنس آخر، لأن الأول كله في العبادات وهي معاملة الخالق عز وجل، وهذا في البيوع وهي معاملة الخلق.
وبدأ العلماء بالبيوع بعد العبادات، لأنها أكثر متعلقًا بالنسبة للبشر، وإلا فإن النكاح مثلًا له علاقة بالمعاملة وعلاقة بالعبادة، لكن البيوع أكثر متعلقًا بالنسبة للبشر، لأن الإنسان يحتاج إليها في أكله وشربه ولباسه ومسكنه ومركوبه ومنكحه وغير ذلك، فهي أعم تعلقًا، ولهذا أعقبها أهل العلم، جعلوها عقب العبادات.
وقال المؤلف : " كتاب البيوع " جمعها باعتبار أنواعها، وإلا فإنها جمع بيع، والبيع مصدر، والمصدر لا يجمع إلا إذا قصد به النوع، فإذا قصد به النوع جاز جمعه باعتبار أنواعه.
والأصل في البيوع الحلّ لقول الله تعالى : (( وأحلَّ الله البيع ))، فكل صورة من صور البيع يدَّعى أنها حرام فعلى المدعي البينة، يعني:
الدليل، لأن الأصل هو الحل.
وشرع الله البيع وأحلَّه لعباده لدعاء الضرورة إليه أحيانًا، والحاجة إليه أحيانًا، والتَّنعم إليه أحيانًا، فأحيانًا تدعو الضرورة إليه، كما لو كان مع إنسان دراهم وهو عطشان، ومع إنسان آخر ماء، فهنا الضرورة تدعو إلى عقد البيع، لأن هذا العطشان لا يتوصل إلى الماء إلا بطريق البيع إذا لم يبذله صاحبه له، وليس كل أحد يتمكن من البذل، فأحيانًا تكون الضرورة للمشتري، وأحيانًا تكون الضرورة للبائع، مثل: أن يكون شخص معه طعام ولكنه عطشان، يحتاج إلى أن يبيع الطعام ليشتري الماء، فهنا الضرورة من البائع.
وأما الحاجة التي تدعو إليه، فما يحتاج الإنسان إليه في أمور دينه ودنياه مما ليس بضرورة، كحاجته إلى ثوب آخر مع ثوبه الأول في أيام الشتاء، ونحو ذلك.
وأما التَّنعم فكما لو كان عند الإنسان كل ما يضطر إليه وكل ما يحتاج إليه، لكن يحب أن يتنعم وينبسط بما أحله الله له، وليس له طريق إلا البيع، فهنا نقول لم تدع الضرورة ولا الحاجة، لكنه من باب التنعم بنعم الله عز وجل على وجه مباح.
لهذا كان من الحكمة إباحة البيع للعباد لتندفع بها ضروراتهم، وتقوم بها حاجاتهم، ويتم بها تنعمهم. واضح؟ يعني ليس كل إنسان يضطر إلى طعام أو إلى شراب يجد من يبذله له، ولا كل إنسان يحتاج إلى مكملات بيت مثلا يجد من ايش؟ من يبذلها له، ولا كل إنسان يريد أن يتنعم بما أعطاه الله تعالى من الخير يجد من يبذل له ما يتنعم به، لهذا كان من الحكمة أن الله عز وجل أحله لعباده.