تفسير قوله تعالى : (( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون )). حفظ
الشيخ : وأصلي على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد ففي هذه الليلة ليلة الخميس الرابع والعشرين من شهر رمضان عام 1415 نلتقي مع إخوان لنا على سطح المسجد الحرام ونسأل الله تعالى أن يجعل هذه اللقاءات لقاءات مباركة نافعة.
إنني أريد أن أتكلم بما يسره الله تعالى على شيء مما سمعناه في قراءة أئمتنا في هذه الليلة ووقع في قلبي أن أتكلم على قول الله تبارك وتعالى : (( وما خلقنا السموات والأرض وما بينها لاعبين ماخلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون ))
يقول الله عز وجل : (( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين )). وهذا كقوله تعالى : (( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار )).
فالله جل وعلا بحكمته لم يخلق هذه السماوات والأرض لعبا ولهوا وهزوا وباطلا وإنما خلقهما لحكم عظيمة بالغة منها ما يظهر ومنها ما لا يظهر لعباد.
فما يظهر لنا من الحكم فيما خلق الله في هذه السماوات والأرض فإنما هو زيادة فضل من الله تبارك وتعالى وزيادة منة من أجل أن يزداد الإنسان طمأنينة إلى حكمة الله عز وجل. أليس كذلك ؟ وما لم يظهر لنا منه من الحكمة فإنه يجب علينا التسليم والرضا بالله تبارك وتعالى ربا وأن نعلم أنه لم يقدر شيئا إلا لحكمة لأن من أسماء الله الحكيم والحكيم هو المحكم الأشياء المتقن لها الذي يضع كل شيء موضعه اللائق به بحيث لا يقول العقل ليته لم يضعه أو ليته وضعها وحيث لا يقول العقل ليته لم يضعه فيما وضعه وليته وضعه فيما لم يضعه لأن كل شيء يقدره الله عز وجل فإنه لحكم عظيمة بعده.
وفي هذه الآية من كلام الله صفة نفي في الآية صفة نفي فما هو المنفي في هذه الآية ؟ نعم .
الطالب : ... .
الشيخ : نعم المنفي في هذه الآية أن يكون الله خلق السماوات والأرض لعبا تمام وصفات الله تبارك وتعالى المنفية لا يوقصد بها مجرد النفي لأن مجرد النفي لا يدل على كمال وصفات الله تعالى كلها كمال ويدل لذلك أي لكون صفات الله تعالى كلها كمال يدل لذلك قول الله تبارك وتعالى : (( للذين يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ))، والمثل بمعنى الوصف أي له الوصف الأولى أي الأكمل من كل وصف وإنما قلنا المثل بمعنى الوصف لأنه يأتي هكذا في اللغة العربية ومنه قوله تبارك وتعالى : (( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن ))، إلى آخره فمعنى مثل ؟
الطالب : ... .
الشيخ : الجنة (( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار )) ؟
الطالب : ... .
الشيخ : استرح تفضل.
الطالب : ... .
الشيخ : أي وصف الجنة كما أن مثلا تأتي بمعنى شبه كقوله تعالى : (( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ))
ولقائل أن يقول : إن مثل في هذه الآية بمعنى وصف أي وصفهم كوصف الذي استوقد نارا إذا كان الله تعالى له المثل الأعلى فهل يمكن أن يوجد في صفاته نفي مجرد لا يتضمن كمالا ؟
الجواب : لا، وذلك لأن النفي المجرد ليس بشيء أصلا فكيف يكون كمالا لأن النفي المجرد يعني العدم والعدم ايش ؟ ليس بكمال، لهذا كان كل صفة منفية
نفاها الله عن نفسه فإنها تتضمن صفة ثبوتية دالة على كمال الله عز وجل. فليعلم أن النفي قد ينفى عن الشيء لعدم قابليته له وقد ينفى عن الشيء لعجزه عنه
فإذا نفي عنه لعدم قابليته له فهذا ليس فيه نفي ولا كمال ولا ذم أيضا إذا نفي الشيء عن موصوف بهذا قابليته له فهذا ليس بمدح ولا قدح.
وإذا نفي الشيء عن موصوف لعجزه عنه فإن هذا صفة نقص. القاعدة نعم أنت ؟
الطالب : ... .
الشيخ : إذا نفي الشيء عن موصوف لعدم قابليته له فهذا لا مدح فيه ولا ذم تمام، استرح، وإذا نفي عن موصوف لعجزه عنه ؟
الطالب : ... .
الشيخ : نعم فيكون فيه نقص بارك الله فيك.
مثال ذلك إذا قال قائل : إن الجدار لا يعتدي على أحد، الجدار جماد لا يعتدي على أحد نفي عن الجدار الاعتداء لماذا ؟ قل .
الطالب : ... .
الشيخ : أحسنت. لعدم قابليته لذلك فهل نحن إذا قلنا إن الجدار لا يعتدي على أحد هل نحن مدحنا الجدار ؟ أجيبوا ياجماعة.
لا ما في مدح ولا قدح وإذا قلت عن شخص ما فلان رجل ... لا يظلم أحدا وأنت تريد بذلك أنه عاجز عن الظلم فهل هذا مدح أو ذم ؟
الطالب : ... .
الشيخ : هذا صفة ذم مع أنك ... في الأصل مدح لكن إذا كان لعجز فهو ذم تمام ومنه قول الشاعر :
" قُبَيِّلة لايغدرون بذمة *** ولا يظلمون الناس حبة خردل ".
يعني : أنهم إذا عاهدوا وفوا فلا يغدرون وأنهم لا يعتدون على أحد فلا يظلمون الناس حبة خردل فهل هو يمدح هؤلاء القوم ؟
الجواب : لا، لا يمدحهم بل يذمهم في الواقع ليش ؟
الطالب : ... .
الشيخ : ايش ؟
الطالب : ... .
الشيخ : نعم التصغير قد تدل على الذم لكن نفى عنهم الغدر والظلم لعجزهم عن ذلك استرح.
ومنه قول ... يهجو قومه يقول :
" لو كنت من مازن لم تستبح إبلي *** بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب *** ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة *** ومن إساءة أهل السوء إحسانا
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا *** شنوا الإغارة فرسانا وركبانا "

يقول في قومه : ليسوا من الشر في شيء وهذا مدح أو قدح ؟
الطالب : ... .
الشيخ : ظاهره المدح لكنه يريد القدح لأن إبله استباحها كما يقول بني القيطة لأن القوم ... ابن القيطة بن ذهل بن شيبان استباحوا الإبل وأخذوا وأن لو كنت من مازن لم تستبح إبلي من بني لقيطة ثم يستدرك فيقول :
وكأن هذا القول جواب لقائل أليس لك قبيلة ؟ فيقول : ايش ؟
" لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد *** ـ يعني كثيرين ـ ليسوا من الشر في شيء وإن هانا.
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة *** ومن إساءة أهل السوء إحسانا "

يعني إذا غلبوا أحدا غفروا له ومن أساء إليهم أحسنوا إليه خوفا من أن يكرر الإساءة مرة ثانية.
نعم لو ... حتى لا يظلمهم ظلما أكبر ويدل هذا قوله :
" فليت لي بهم قوما إذا ركبوا *** شنوا الإغارة فرسانا وركبانا
ليت لي بهم أي بدلا "
.
الخلاصة : أن نفي الصفة عن الموصوف قد تكون لغوا لا فائدة منه لا مدح ولا ذم وقد تكون ذما وقد تكون مدحا.
متى تكون مدحا ؟ إذا تضمنت ايش ؟ كمالا.
وتكون ذما إذا تضمنت نقصا كالعجز مثلا.
وتكون لغوا إذا لم يكن فيها مدح ولا ذم ... لا يقبل هذه الصفة فإن ذلك ليس فيه مدح ولا ذم.
ما ينفى عن الله من أي قسم هو ؟
نعم.
الطالب : ... .
الشيخ : نعم.
الطالب : ... .
الشيخ : أحسنت القسم الأول الذي يتضمن كمالا فإذا نفى الله الظلم عن نفسه فقال : (( ولا يظلم ربك أحدا )) فالمراد كمال العدل لأن حكم الله ليس فيه ظلم فإذا قال الله تبارك وتعالى : (( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الارض )) فالمراد كمال.
الطالب : ... .
الشيخ : خطأ كمال ايش ؟
الطالب : ... .
الشيخ : دل على كمال القدرة لأن ضد العجز القدرة وضد الضعف القوة انتبهوا لهذا. والفرق بين القدرة والقوة معروف لذا إذا قال الله تعالى : (( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الارض )) المقصود كمال قدرته والدليل قوله : (( إنه كان عليما قديرا )).
هنا في الآية التي سمعناها من قراءة إمامنا (( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين )) من كمال الحكمة لا يمكن أن يخلق شيئا لعبا لكمال حكمته ثم اكد بقوله : (( ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون )) (( ما خلقنا السماوات والأرض إلا بالحق )). ما خلقهم إلا بالحق والحق في الأصل هو الشيء الثابت وخلقهما أيضا للحق فإنهما... السماوات والأرض مخلوقة بالحق ومخلوقة للحق.
والذي يهمنا من هذه الآية هو أننا نعلم أن ما ينفي الله تعالى عن نفسه من الصفات فالمراد به كمال ضده. وليس نفيا مجردا لأن النفي المجرد ليس مدحا بل هو إما لغو وإما نقص حسب تقتضيه الحال.
وإلى هنا نقف وعلى هذا أقتصر على ما سمعنا من تلاوة أئمتنا وبعد لنرجع إلى ما قررناه بالدرس الماضي أو في اللقاء الماضي وهو ؟