تفسير قوله تعالى :" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ...". حفظ
الشيخ : نستمر في الآية (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت )) قال بعض العلماء : اختلاف التعبير لاختلاف الحكم (( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت )) لأن الخير يكسب بالنية، والخير الحسنة بكم؟ بعشر أمثالها.
وأما الشر فإن السيئة بواحدة، ولا بد أن نتحقق أنه فعل سيئة، ولكن الهم بالسيئة مع فعل الأسباب والعجز عنها يأثم به الإنسان كما بينا في غير هذا الموضع.
(( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا )) إن نسينا ايش؟ إن نسينا أي شيء، لا تؤاخذنا، أو أخطأنا أي: جهلنا، فقال الله : ( قد فعلت ). كل شيء يقع منك نسيانا أو خطأ فإنه معفو عنه، لكن إن كان مأمورا سقط الإثم بتركه ووجب استدراكه بقضائه.
أرجو الانتباه يا جماعة.
إذا كان الذي أخطأت فيه أو نسيته مأمورا سقط الإثم بتركه، ووجب استدراكه ايش؟ بقضائه. الدليل : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نام عن صلاة أو نسيها - ايش؟ - فليصلها إذا ذكرها ) ولم يقل فإنها تسقط عنه.
أما إذا كان فعل محظور فإنه يسقط عنه الإثم، والكفارة إن كان فيه كفارة، والجزاء إن كان به جزاء، والفدية إن كان فيه فدية، هذا فعل المحظور ويجب عليكم أن تعرفوا الفرق بين فعل المأمور وترك المحظور.
قلت : كل منهما لا يؤاخذ فيه بالنسيان والخطأ، لكن الفرق أن فعل المأمور ايش؟ لا بد من قضائه، وترك المحظور لا يترتب عليه شيء، يعني: فعل المحظور قصدي فعل المحظور نسيانا أو جهلا لا يترتب عليه شيء.
ولنضرب لهذا أمثلة :
رجل صلى بغير وضوء ناسيا، قل يا أخ، صلى بغير وضوء ناسيا؟
إذا تذكر وجب أن يتوضأ وأن يصلي، طيب. وهل يأثم بهذه الصلاة التي صلاها محدثا؟ لا يأثم لأنه ناسي، بارك الله فيك.
آخر صلى وعلى ثوبه نجاسة نسي أن يغسلها؟ قم، صلى وعلى ثوبه نجاسة نسي أن يغسلها، أيعيد الصلاة؟ أليس يجب اجتناب النجاسة في الصلاة؟ نسي فلا يعيد؟ إذا تذكر بعد الصلاة يعيد، لأنه صلى بثوب نجس، هكذا تقول؟ خليك جازم سواء أصبت أو أخطأت، هكذا تقول؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب. استرح اسمع اسمع أخاك.
الطالب : ... وهو ناسي.
الشيخ : نعم.
الطالب : ... .
الشيخ : صحت الصلاة ولا يعيد؟ ليش قلنا في الذي لم يتوضأ يعيد؟
الطالب : في المأمور يقضي الصلاة.
الشيخ : أحسنت.
الطالب : في المحظور لا شيء عليه.
الشيخ : تمام. استرح. أفهمت يا أخ، اجتناب النجاسة ليس إحداث شيء، بل هو إزالة شيء، فهو من باب ترك المحظور، فإذا نسي الإنسان وصلى في نجاسة قلنا صلاتك صحيحة ولا إعادة عليك، وإذا صلى ناسيا ولم يتوضأ قلنا عليك الوضوء وايش؟ وإعادة الصلاة، تمام، والفرق ظاهر،
طيب، رجل أكل وهو صائم ناسيا؟ أجب، صومه صحيح؟ ولا عليه قضاء؟
ايش؟ ما في حديث في الموضوع نفسه اه. اه. طيب، جزاك الله خيرا، نعم.
من أكل ناسيا، معنى الحديث، طيب، ( من أكل ناسيا وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )، صح، استرح.
رجل نسي أن ينوي الصيام في غير رمضان، في رمضان ما حد ناسي لأن الشهر كله نية واحدة، لكن في غير رمضان نسي أن ينوي الصيام، ولما طلعت الشمس ذكر، والصيام قضاء رمضان. ذكر فنوى من طلوع الشمس؟ أجب.
الطالب : يجب عليه الصيام.
الشيخ : أيصح صومه أم لا؟
الطالب : لا يصح.
الشيخ : لماذا ؟
الطالب : النية.
الشيخ : والنية من باب فعل المأمور أو ترك المحظور؟
الطالب : فعل المأمور.
الشيخ : من باب فعل المأمور، إذن نقول لهذا الرجل: لا يصح صومك فرضا، وإنما يصح نفلا، لأن الفرض لا بد أن تستوعب النية جميع النهار من الفجر إلى الغروب، استرح.
انتبهوا لهذه القاعدة، هذه القاعدة يا إخواني أن من فعل شيئا ناسيا أو مخطئا فليس عليه شيء لا في المأمورات ولا في المنهيات، لكن المأمورات يأمر ايش؟ بقضائها استدراكا للواجب، والمنهيات ليس عليه شيء، طيب.
رجل محرم قتل صيدا ناسيا، فهل عليه كفارة؟ نعم؟ عليه جزاء مو كفارة، جزاء وإلا ما عليه؟ عليه جزاء جزما؟ جزما، أليس ناسيا؟ طيب، ربنا لا تؤاخذنا ايش؟ طيب، ويش اللي يخرج هذا عن القاعدة؟
الطالب : من باب فعل المأمور.
الشيخ : لا، كيف فعل المأمور، هل الإنسان مأمور بقتل الصيد؟
الطالب : لا.
الشيخ : إذن هو فعل محظور، صاد صيدا وهو محرم لكنه ناسي، فهذا فعل محظور فليس عليه إثم وليس عليه جزاء، أفهمت؟ رجعت عن قولك ؟ الحمد لله الرجوع إلى الحق أحق، طيب.
ما تقولون في رجل يمشي في مكة أو في مزدلفة أو في منى فاصطدمت به حمامة بسيارته، أعليه الجزاء أم لا؟ قل يا أخ.
الطالب : لا.
الشيخ : ليش؟
الطالب : ... .
الشيخ : نعم ايش؟ يعني ما قصد، والله عز وجل يقول : (( من قتله منكم متعمدا فجزاؤه مثل ما قتل من النعم ))، تمام صحيح، بارك الله فيك. المهم خذوا هذه القاعدة، ليست من مؤلف فلان أو كتاب فلان، بل هي من كتاب الله عز وجل، حجة قائمة، كل من تلبس بشيء ناسيا أو مخطئا أتموا فلا شيء عليه، لكن المحظور يرتفع عنه كل ما يتعلق به من كفارة أو فدية أو جزاء، والمأمور ايش؟ يقضيه استدراكا للواجب.
ويدل على وجوب القضاء مع الجهل قصة الرجل الذي دخل المسجد وصلى ولم يطمئن في صلاته فأمره الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعيد صلاته، لأنه ترك مأمورا وهو الطمأنينة حتى علمه صلى الله عليه وسلم ماذا يصنع.
ومعاوية بن الحكم تكلم في صلاته مرتين ولم يأمره بالإعادة، لأن الكلام من باب ايش؟ من باب فعل المحظور، وكان رضي الله عنه لا يدري أنه حرام، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصلاة.