تفسير قوله تعالى :" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " حفظ
الشيخ : أما ما نريد أن نتكلم عليه فيما سمعنا من القراءة فقد سمعتم قول الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم : (( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )).
ففي أي مسألة أو في أي مناسبة نزلت هذه الآية؟ تفضل.
الطالب : ... عمه أبي طالب رضي الله عنه
الشيخ : كيف أعوذ بالله، عمه أبو طالب رضي الله عنه؟
الطالب : كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هدايته.
الشيخ : نعم.
الطالب : ... .
الشيخ : أحسنت بارك الله فيك.
إذن سبب هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على أن يهدي الله عز وجل عمه أبا طالب، لأن عمه أبا طالب كان يحوط النبي صلى الله عليه وسلم ويحميه من أعدائه، وينصره نصرا عزيزا، حتى إنه في قصائده وأشعاره يثني عليه، يقول : لقد علموا.
نعم، يقول في لاميته المشهورة، له لامية مشهورة، قال ابن كثير رحمه الله : "يحق أن تكون في المعلقات".
أتعرفون المعلقات؟ المعلقات قصائد عظيمة للعرب علقوها في الكعبة تعظيما لهذه القصائد. ويقول ابن كثير: "أحق أن تكون في المعلقات".
يقول فيها :
" لقد علموا أن ابننا لا مكذَّب *** لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل ".
يعني لا هو كاذب ولا ... والبيت يقرؤه لي هذا. اقرؤه؟
الطالب : ... .
الشيخ : اقرأ البيت كما هو؟ ... ما تصلح، وين رايح أنت؟ علِّم بالصدق، هل سرحت شوي؟ استرح، من يحفظ البيت؟تفضل.
الطالب : ... .
الشيخ : لا، قبل، أول البيت. استرح.
استرح استرح استرح ... خطأ.
الطالب : ... .
الشيخ : لا، يا جماعة، العرب يجي الشاعر يقول خمسين بيت أو مائة بيت في القصيدة ويتفرقون وقد حفظوها أو أكثرهم، يلا
الطالب : " لقد علموا أن ابننا لا مكذَّب ** لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل ".
الشيخ : أحسنت.
" لقد علموا أن ابننا لا مكذَّب ** لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل ".
ويقول :
" ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة ** لرأيتني سمحا بذاك مبينا "
.
وقصته مع النبي صلى الله عليه وسلم في نصره إياه والدفاع عنه مشهورة معلومة، لهذا حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يهديه الله عز وجل، ولكن قال رب العزة والجلال: (( من يضلل الله )) ايش؟ (( فلا هادي له )).
اللهم اهدنا فيمن هديت.
جاءه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سياق الموت، وقال له بكلام رقيق عاطفي : ( يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله ). شوف الرسول عليه الصلاة والسلام كيف تحرُّزُه أحاج، يعني ما جزم بأنها تنفعه، لأنه قد حضره الموت. ( ياعم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك لها عند الله )، وكان عنده جلساء السوء، جلساء السوء الذين وصف النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بأنهم كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة.
قالا لأبي طالب، الرجلان وهما من قريش، قالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟!
ما ملة عبد المطلب؟ الشرك واتخاذ الأصنام، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب. أعوذ بالله، اللهم اختم لنا بالخاتمة الحسنى يارب العالمين، اللهم أحسن خاتمتنا وتوفنا على الإيمان والتوحيد، نعوذ بالله من الضلال.
قال : هو على ملة عبد المطلب، هذا آخر ما قال، فمات إذن على الشرك.
لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتأثر، هذا الرجل الذي دافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن دين الرسول ونصره وتكون خاتمته خاتمة سوء، هذا مما يؤسف له ويحزن عليه، فقال عليه الصلاة: ( لأستغفرن لك ما لم أنه عنك )، فأنزل الله : (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى )) مثل من ؟ مثل عم الرسول.
(( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم ))، ومن مات على الشرك فقد تبين لنا أنه من أصحاب الجحيم. طيب، بالنسبة للهداية، قال الله لرسوله : (( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ))، الهداية بيد الله، ولكن على الإنسان أن يفعل الأسباب.
ولهذا لا يحتج علينا أولئك الذي أهملوا أبناءهم وبناتهم، ولم يربوهم ولم يرعوهم، فيقول الهداية بيد الله، نقول افعل السبب، ولكن إذا فعلت السبب ولم يحصل المطلوب حينئذ سلم الأمر لمن؟ لله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ).
المهم افعل السبب، وإذا كان الله لم يرد هدايتهم ما هديتهم، كم من إنسان كان على ضلال ثم منّ الله عليه بالهداية، يسر له قرناء صالحين فاهتدى على أيديهم، وهذا والحمد لله يوجد كثيرا في الشباب، اهتدى كثير من الشباب والحمد لله، وصاروا ملتزمين، وصاروا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بعد أن كانوا على منكر ويأمرون بالمنكر، لكن فضل الله يؤتيه من يشاء.
المهم أن الله قال مسليا رسوله صلى الله عليه وسلم، قال له : (( إنك لا تهدي من أحببت )) شوف كيف الله يسلي الرسول عليه الصلاة والسلام : (( إنك لا تهدي من أحببت ))، كما قال له في المشركين : (( ولو شاء الله )) ايش؟ (( ولو شاء الله ما أشركوا )) تسيلة للرسول عليه الصلاة والسلام، حتى يعلم أن ما قضاه الله تعالى فهو فوق كل شيء، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
بقي أن يقال ما الجمع بين قوله تعالى : (( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )) وقوله لرسوله : (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )).