الكلام عن الصيام : أولا : بيان حكمه ومتى فرض . حفظ
الشيخ : وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فكان من العادة أن نتكلم على ما سمعناه من قراءة إمامنا في صلاة القيام، لكن نظرا لأننا في استقبال العشر الأواخر رأينا أن نتكلم على موضوعين هامين ، الموضوع الأول : الصيام، والثاني : القيام والاعتكاف.
أما الموضوع الأول، وهو الصيام، فليعلم أن الصيام مفروض في جميع الأمم، كل الأمم السابقة قد فرض الله عليها الصيام.
ودليل ذلك قول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تشكرون )).
هذا من حيث الدليل الأثري السمعي.
دليل عقلي أن التكليف لا يتم إلا إذا طُلب من الإنسان بذل ما يحب والكف عما يحب، أفهمتم؟ تمام التكليف أن يطلب من الإنسان بذل ما يحب والكف عما يحب.
وذلك لأن بعض الناس يسهل عليه البذل دون الكف، وبعض الناس الكف دون البذل.
فمثلا الزكاة مفروضة علينا، لأنها ايش؟ ايش؟ بذل ما نحب، كما قال الله تعالى : (( وتحبون المال حبا جما )).
والصيام مفروض علينا، لأنه الكف عما نحب عن الطعام والشراب والنكاح، فالصيام مفروض في كل ملة، والصلاة مفروضة في كل ملة، والزكاة مفروضة في كل ملة، والحج مفروض في كل ملة، والتوحيد أصل الأصول مفروض في كل ملة. الصيام فرض في السنة الثانية من الهجرة، لأن ما قبل الهجرة فرض التوحيد والصلاة، وفرضت الزكاة في السنة الثانية، وقيل: فرضت في مكة، وفي السنة الثانية بينت الأموال الزكوية وما يتعلق بها، وسنتكلم عليها إن شاء الله في المستقبل. فرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة، فصام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، وكان أول ما فرض أن الإنسان - اترك اللحية يا رجل لا تحك هيك - كان أول ما فرض أن الإنسان مخير، إن شاء صام وإن شاء افتدى، يعني أطعم عن كل يوم مسكينا، لقول الله تبارك وتعالى : (( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ))، فخير الله بين هذا وهذا، ولكنه قال : (( أن تصوموا خير لكم )).
ومن المعلوم أن الحازم لا يستبدل الشيء بما دونه، بمعنى أنه لا يأتي شيئا وغيره خير منه، وحينئذ سيصوم أكثر الناس، ثم فرض الصيام عينا، وقال : (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )).
والصيام واجب، مرتبته في دين الإسلام أنه أحد أركان الإسلام.
وحكمه إيش؟ فرض بإجماع المسلمين، ولهذا نقول: من أنكر فرضيته وهو ممن عاش بين المسلمين فهو كافر مرتد مباح الدم والمال، إلا أن يرجع إلى دينه ويقر بفرضيته.
ومن أقر بفرضيته ولكنه تركه تهاونا فإنه لا يكفر لكنه قد أتى إثما عظيما، لأنه لا شيء من أركان الإسلام سوى التوحيد والرسالة يكفر به الإنسان إلا واحدا وهو الصلاة، فإن ترك الصلاة ولو كسلا وتهاونا كفر أكبر مخرج عن الملة، بمعنى أن الذي يترك الصلاة كسلا وتهاونا يكون مرتدا عن دين الاسلام، مباح الدم والمال، فيؤمر بها، فإن عاد إلى الإسلام وصلى فذلك المطلوب، وإلا ضربت عنقه، وإذا ضربت عنقه ماذا يصنع به ؟ يخرج به إلى الصحراء، ولا يكفن ولا يغسل ولا يصلى عليه، وإنما يحفر له حفرة يرمس فيها رمسا لئلا يتأذى الناس برائحته ويتأذى أهله بالنظر إليه، هكذا تارك الصلاة.
قال عبد الله بن شقيق : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ).
هذا حكم تارك الصلاة في الدنيا، أما في الآخرة فيحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف رؤوس الكفرة، أعاذنا الله وإياكم من الكفر.