تفسير قوله تعالى :" لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ...". حفظ
الشيخ : ثم ننتقل إلى الكلام على ما سمعناه في قراءة إمامنا في قيام هذه الليلة الرابعة والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1418 وهي أول السبع الأواخر إن تم الشهر.
أسأل الله أن يجعل لي ولكم من هذه الليلة المباركة ليلة القدر نصيبا تغفر به الذنوب وتستر به العيوب.
قال الله تبارك وتعالى : (( لله ملك السماوات والأرض )) ملك أعيانهما فلا يملك أحد شيئا من السموات والأرض، مالك السماوات والأرض من ؟ الله.
أيضا ملك التدبير تدبيرهما، من يدبر شؤون السماوات والأرض ؟ الله عز وجل، من يصرف الرياح؟ من يأتي بالليل؟ من يأتي بالنهار؟ من يأتي بالحر؟ من يأتي بالبرد؟ من يأتي بالسلم؟ من يأتي بالحرب ؟ من يأتي بالغنى؟ من يأتي بالفقر ؟ من يأتي بالمرض؟ من يأتي بالصحة؟ أجيبوا؟ كل ذلك هو الله.
إذن (( لله ملك السماوات والأرض )) ملك الأعيان أو ملك الأعيان والتدبير؟ الثاني، عام، لأن الملك قد يكون ملك أعيان دون تدبير، وقد يكون ملك تدبير دون أعيان.
المستأجر المستأجر يملك عين الدار أو التصرف في منفعتها؟ إيش؟ الثاني.
ومالك الدار حين تأجيرها يملك عين الدار دون تدبيرها ومنفعتها.
أما الرب عز وجل فهو مالك للأعيان وللتصرف فيها.
وفي تقديم الخبر (( لله ملك السماوات )) ايش؟ إفادة الحصر، يعني: أن ملك السماوات والأرض لله دون غيره، فهو جل وعلا يفعل ما يشاء في جميع خلقه، ثم فصل بعض الشيء.
فقال : (( يخلق ما يشاء )) كل ما يشاء يخلقه من إنس وجن وملائكة ودواب ووحوش وغيرها. يخلق ما يشاء، طيب.
ومن جملة خلقه أفعال المخلوقات، أفعال المخلوقات خلق لله، صلاة الإنسان مخلوقة لله، حج الإنسان مخلوق لله، صيامه مخلوق لله، جميع صفاته وأفعاله مخلوقة لله، لأن أصلها مخلوق والفرع يتبع إيش؟ يتبع الأصل.
الإنسان يفعل يتحرك ويسكن وينام ويستيقظ كل هذا مخلوق لله عز وجل، لأن الإنسان نفسه مخلوق، وما تفرع عنه من الأفعال إيش؟ مخلوق مخلوق لله عز وجل.
إذن يدخل في قوله : (( يخلق ما يشاء )) ايش؟ أعيان المخلوقات وأوصاف المخلوقات وأفعال المخلوقات، أليس كذلك؟ خلق الآدمي على هذا الوجه الذي هو أحسن تقويم، وخلق الحيوانات الأخرى على ما تقتضيه حكمته تبارك وتعالى. فهو يخلق ما يشاء.
تفصيل آخر (( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم )) يعني يصنفهم (( ذكرانا وإناثا )) فيهب للرجل ذكورا وإناثا (( ويجعل من يشاء عقيما )).
فالأقسام إذن، الأقسام؟ أصابعي كم هذه؟ خمسة هكذا؟ لننظر.
(( يهب لمن يشاء إناثا )) واحد.
(( ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا )) هذه الثالثة. (( يزوجهم ذكرانا وإناثا )) هذه واحدة؟ واحدة لأن هذا صنف واحد (( أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما )) لا يهبه لا ذكورا ولا إناثا ولا ذكورا وإناثا، لأن الأمر أمر من؟ أمر الله عز وجل، فهو الذي يهب من يشاء ما يشاء.
وفي هذه الآية قد يستدل الكفرة ومقلدو الكفرة على أن النساء مقدمون على الذكور، استمع (( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور )) فقدم قدم الإناث.
وقال المقدمون للإناث: نحن إذا قلنا سيداتي وسادتي فالمعنى فإننا وافقنا القرآن قدم الإناث (( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور )). فما جوابنا على هذا ؟ نحتاج إلى جواب، ومن حكمة الله عز وجل أنه جعل في مخلوقاته وكلماته أشياء مشتبهة، أشياء مشتبهة، ألم تعلموا أن الله يقدر الزلازل إيش؟ ويقدر الفيضانات، ويقدر العواصف، وهي ضارة لبعض الخلق، لكن لها نفعا عظيما أكثر مما تضر (( ظهر الفساد في البر والبحر )) بإيش؟ (( بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا )).
كذلك في آياته الشرعية في آيات مشتبهات يحتج بها أهل الباطل على باطلهم، فماذا نجيب هؤلاء الذين يقدمون النساء على الرجال؟ الأمر في هذا سهل جدا.
أولا : يجب أن تعلم أن كتاب الله لا يتناقض، وفي كتاب الله من تقديم الرجال على النساء شيء كثير (( إن المسلمين - إيش ؟ - والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات )) إلى آخر الآية.
بل أكثر خطابات القرآن موجهة للرجال فقط، لأن النساء تبع، وإذا ذكر الرجال مع النساء قدم الذكور، (( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى )) (( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )) من ذكر وأنثى.
فكيف يشبه علينا هذا المشبه بهذه الآية مع أن الآيات الكثيرة تقدم الرجال، بل في بعض الآيات، في كثير من الآيات ذكر الرجال دون النساء.
بل قاصمة ظهره قاصمة ظهر هذا الرجل قول الله تعالى : (( الرجال قوامون على النساء بما فصل الله بعضهم على بعض )).
وقوله تعالى : (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) وإيش؟ (( والرجال عليهن درجة )). لكن أتدرون ما الحكمة في أن الله بدأ بالإناث قبل الذكور، لأن الإناث عند العرب مكروهات حتى إن الرجل (( إذا بشر بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم )) يختفي، لا يقول له: ما شاء الله البركة جاك اليوم بنت، يختفي من سوء ما بشر به، فأراد الله أن يبين أن الأمر ليس إليكم، حتى تختارون ما شئتم، فبدأ بما يكرهون حتى يبين أن خلق الله للشيء يكون رغما على أنوفهم، فبدأ بالإناث.
ولما كان قد يشتبه على بعض الناس أن تقديم ذكر الإناث يعني تقديمهن.