بيان خطورة غيبة الأمراء والعلماء مع ذكر واجب الرعية تجاه ولاة الأمور . حفظ
الشيخ : واعلم أن بعض الناس ابتلي بغيبة صنفين من الناس غيبتهما شر محض، الصنف الأول : العلماء، والصنف الثاني : الأمراء.
غيبة هذين الصنفين أشد من غيبة سائر الناس، لأن غيبة سائر الناس الضرر فيها خاص، خاص بمن؟ بالشخص المغتاب، لكن غيبة الأمراء فساد للمجتمع وزوال لأمنه، لأن الأمراء وأقصد بالأمراء أقصد بالأمراء رئيس الدولة أعلى ما يكون من رئيس من ملك أو رئيس جمهورية أو غير ذلك، غيبة هؤلاء فساد للأمة كلها، لماذا؟ لأنه يسقط هيبة ذي السلطان.
إذا اغتبت الرئيس واغتبت الملك سقطت هيبته في أعين الناس، وإذا سقطت هيبته في أعين الناس سقطت طاعته وتوجيهاته، وبقي الناس فوضى ولا يجوز أن تكون الأمة فوضى.
ألم تعلموا أيها الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أمر المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمروا واحدا منهم )، لأن ترك الناس بلا أمير ضرر عظيم وفوضى، ولهذا قال الشاعر :
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.
وقد أخبرني الصيادون الذين يصيدون الضباء أو الطيور أنه لا بد لكل طائفة أن يكون لها قائد، فالضباء في الصحراء تجعل قائدا تمشي وراءه، ولذلك الصياد العارف يصطاد أول ما يصطاد ايش؟ أي نعم الزعيم، وإذا اصطاد الزعيم تحير الباقون، ثم اصطادهم شيئا فشيئا، لأنهم يتحيرون لا يجدون أحدا يقودهم، وكذلك في الطيور، تراها في جو السماء، يعني انظر إليها في جو السماء تجد أن في مقدمها واحدا تقتدي به، فإذا كانت هذه البهائم لا بد لها من قائد، فكيف ببني آدم؟
وأنت إذا اغتبت الأمراء ذوو السلطان أسقطت هيبتهم في قلوب الناس، ثم صار الناس يتناقلون ما تذكر فتمتلئ القلوب من الحقد عليهم والكراهة لهم، ويؤدي الأمر بالتالي إلى ايش؟ إلى الخروج عليهم، وحينئذ يحدث الشر.
ولا يخفى علينا ما يجري ما جرى أولا من الشرور وما جرى ثانيا من الشرور.
الأمة الإسلامية كانت على نسق واحد وطريق واحد، ولما خرجت الخوارج على عثمان بن عفان تشتت الأمة، ثم على علي بن أبي طالب، وهكذا فسدت الأمة بسبب الخروج على الأئمة. - انتبه يا ولد -.
فإذا قال قائل : إذا كان الأئمة الأمراء إذا كان فيهم معصية، نشاهد أنهم يعصون الله، فهل يجب علينا طاعتهم وهل يحرم علينا غيبتهم؟
الجواب : تجب طاعتهم ويحرم علينا غيبتهم مطلقا، إلا إذا أمروا ايش؟ بالمعصية.
إذا أمر ولي الأمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة. طيب، وإن أمر بما ليس بمعصية لكن هو عاص يطاع أو لا يطاع؟ يطاع، تجب طاعته، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأنه يكون أئمة يؤخرون الصلاة أو يميتون الصلاة عن وقتها وأمر بطاعتهم، حتى إن الصحابة استأذنوه في منابذة أمثال هؤلاء، فقال : ( لا، ما صلوا ). وفي لفظ : ( ما أقاموا الصلاة ).
وعلى هذا فما الواجب إذا رأينا ولي الأمر على معصية بالنسبة لأوامره التي ليست بمعصية؟ الواجب الطاعة، ومعصيته على نفسه.
لكن هل معنى ذلك أن لا نناصحه؟ أجيبوا؟ لا والله، يجب علينا نصحه، بل نصحه من الدين، حتى قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله - والرابع أئمة المسلمين قبل المسلمين - ولأئمة المسلمين وعامتهم ).
فنصح ولاة الأمور أبلغ من نصح عامة الناس. يجب علينا أن ننصحهم. ولكن هل من النصح أن نعلن مساوءهم ؟ لا والله، ليس من النصح، هذا لا يزيد الأمر إلا شدة وبلاء، وليس من طريق السلف الصالح، ولا من منهج أهل السنة والجماعة، التشهير بولاة الأمور، حتى إنه قيل لأسامة بن زيد في قضية مع عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : ( أو تريدون أن نسمعكم ما نقول لهم؟ ).
يعني لا يمكن الإنسان الناصح أن يشهر بولاة الأمور مدعيا أن ذلك نصيحة، بل الواجب أن يأتي البيوت من أبوابها.
وهناك قنوات يمكن أن تصل النصيحة إلى ولي الأمر بدون أن تكون تشهيرا وفضيحة، لأن الأمر خطير، لا قدر الله إلا الخير.
إذا امتلأت قلوب الرعية حقدا وبغضا للولاة فسيكون التمزق والتفرق بين الرعية ورعاتها. وحينئذ يكون الشر والفساد.
ولكن النصيحة واجبة ويجب على الإنسان أن يسلك أقرب طريق يحصل به المقصود، يكتب إلى ولي الأمر ممكن، لكن لا على طريق التحزب وجمع الآراء أو جمع التوقيعات، لأن هذا لا يفيد، وإنما ينصح بالنصيحة المبنية على بيان الحق بدون انفعال وبدون انتقاد ويرسلها إليه، أو يذهب بها بنفسه إن كان يتمكن من الوصول إليهم أو يرسلها مع من يصل إليهم، وإذا فعل ذلك برئت ذمته.
المسؤول عن صلاح الرعية وإصلاحها من؟ الراعي ولي الأمر، وإذا أخطأ في شيء أقم عليه الحجة بما تكتب له من نصيحة، ثم إن اهتدى فذلك المطلوب، وإن لم يهتد فالذنب عليه. انتبه.
الأمر الثاني : غيبة العلماء. غيبة العلماء. غيبة العلماء ليس كغيبة عامة الناس، لأنه يترتب عليها أي: على غيبة العلماء رد الشريعة التي يحملها العالم.
أنتم تعلمون أن العلماء ورثة الأنبياء، وأن العلماء يبثون علمهم في عباد الله من أجل أن يسير العباد على شريعة الله، هذا هو الأصل في العالم، أنا لا أقول إن كل عالم يسير هذا السير، لكن هذا هو الواجب على العلماء أن يبينوا الشريعة من أجل أجيبوا؟ أن يبينوا الشريعة من أجل أن يسير عليها الناس، لأن العلماء في الشعوب كالنجوم في السماء، يبينوا الشريعة. فإذا اغتيب العلماء، وصار ليس للإنسان هم إلا بيان مساوئ العلماء فإن الناس سوف تسقط من أعينهم مهابة العلماء، وإذا سقطت مهابة العلماء لزم من ذلك سقوط الشريعة التي يحملونها، لأنهم سيقولون هين هذا العالم اتركه هذا قال كذا وهذا قال كذا، مع أنه قد يصدر ما يقوله العالم عن اجتهاد لا يعلم بطرقها هؤلاء الذين قاموا يتكلمون فيه.
لذلك يجب على الإنسان أن يقدر الأمور ويزنها بموازين الشريعة، وليس بموازين الغيرة والعاطفة والكراهية.
وأنا أقول لكم بارك الله فيكم : ليس أحد معصوما من الخطأ، أليس كذلك؟ العالم يخطئ، إما في الحكم الشرعي، أو في الاستدلال على الحكم الشرعي، أو في المنهج، وهو موضوع زلة، ولكن هل من النصيحة للعالِم ومن النصيحة للأمة أن نشهر بالعالم أو أن ينصح العالم؟ ينصح العالم، ونصح العالم أوكد من نصح العامة، لأن العالم إمام يدخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ولأئمة المسلمين ) العالم يقتدى به.