تنبيه على مسألة في تسوية الصفوف . حفظ
الشيخ : فقبل أن نشرع فيما اعتددناه من الكلام بما تيسر على ما سمعنا من فرأة الإمام ، أحب أن أنبه على مسألة فهمها كثير من الناس ، ولاسيما الشباب الذين يحرصون على تطبيق السنة ، على غير المراد منها .
وذلك أن من المشروع في المصافة في الصلاة شيئين :
الأول : المراصة حتى لا يكون بين الرجل وأخيه فرجة تتخلل منها الشياطين .
والثاني : المواساة ، التساوي بحيث لا يتقدم أحد على أحد ، وكلاهما أمر مشروع ، بل إن تسوية الصفوف على ما تقتضيه السنة واجبة ، والذين يخالفون ذلك يعتبرون آثمين عاصين .
والدليل على هذا أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ، ( كان يسوي صفوف أصحابه حتى كأنما يسوي بها القداح ، فلما عقلوا عنه ذلك وفهموه وطبقوه ما استطاعوا ، خرج ذات يوم فلما أراد أن يكبر ، إذا برجل قد بدا صدره ، أي تقدم قليلا ، فنهاهم عن ذلك وقال : عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ) أي بين قلوبكم ، وهذا التحذير يدل على وجوب تسوية الصف ، وهو القول الرجح من أقوال العلماء أن تسوية الصف واجبة .
وكذلك المراصة حث عليها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وقال : ( أَلاَّ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ؟ قَالُوا : كَيْفَ ذلك يا رسول الله ؟ قَالَ : يَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ ويُتِمُّونَ الْأَوَّلَ فالْأَوَّلَ ) .
فهم بعض الناس من المراصة ، التي عبر عنها الصحابة رضي الله عنهم ، بأن الرجل يلصق كعبه بكعب أخيه ، ومنكبه بمنكبه فهم منه أن المعنى أنه يفرج بين رجليه ، حتى يلتصق كعبه بكعب صاحبه ، وهذا فهم خاطىء ، ليس هذا مراد الصحابة مراد الصحابة أنهم يتراصون حتى تلتقي المناكب والأكعب ، وليس المعنى أنهم يفرجون بين أرجلهم حتى تتلاصق ، لأنهم إذا فعلوا ذلك حصلت الفرجة من أين ؟ من فوق حصلت فرجة من فوق حتى يكون الإنسان كأنه هرم أسفله واسع وأعلاه ضيق ؟
لذلك نقول إنه ليس من المشروع أن الإنسان يفرج بين رجليه ، حتى يمس كعبه كعب صاحبه ، ولكن المشروع المراصة حتى يلتصقف الكعب بالكعب والمنكب بالمنكب .
وما أحسن ما أوصى به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري حين كتب له كتابا في القضاء ، وهذا الكتاب كتاب تلقاه الناس بالقبول ، حتى إن ابن القيم رحمه الله رتب كتابه العظيم ، الذي لم يؤلف مثله في بابه وهو " إعلام الموقعين " جعله موضوعا على هذا الكتاب ، الذي كتبه عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، في هذا الكتاب أنه قال له أعني عمر قال لأبي موسى : " الفهم الفهم في ما يلقى إليك " يعني حثه على الفهم ، لأنه ليس المقصود أن يحفظ الإنسان ويفهم الخطأ ، المقصود أن يحفظ ويفهم المعنى المراد .
فمن ثم أحث إخواني ولاسيما الشباب الذين يحبون أن يطبقوا السنة ، زادهم الله من ذلك أحثهم على الفهم ، وعلى جمع أطراف الأدلة بحيث لا يأخذون بدليل وينسون الأدلة الأخرى ، فإن هذا مما يخل بكثير من الأحكام ، لأن الشريعة كما نعلم مبنية على شيئين :الكتاب والسنة فلا بد أن ننظر إلى الكتاب والسنة ، بعينين بصيرتين ، لا بعين أعور لا يرى إلا من جانب واحد ، بل بعينين بصيرتين ، نأخذ أطراف الأدلة من هنا ومن هنا ثم يتكون منها الحكم ، أما أن نأخذ بواحد من الأدلة وننسى الأخرى ننسى الأدلة الأخرى ، فهذا لا شك أنه خطأ في الاستدلال ، وخطر في الأحكام .
فأعيد وأكرر الفهم الفهم فيما يبلغكم من كتاب الله وسنة رَسُولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ، والحرص الحرص على جمع الأدلة وائتلافها وتلاؤم بعضها مع بعض ، حتى يتم الاستدلال على الوجه الذي أراده الله ورسوله .
أسأل الله تعالى أن يرينا وإياكم الحق حقا ـ أمنوا جزاكم الله خير ـ أن يرينا وإياكم الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، وألا يجعله ملتبسا علينا فنضل .