تفسير قوله تعالى من سورة القيامة :" لا أقسم بيوم القيامة " . حفظ
الشيخ : أما ما نريد أن نتكلم عليه فيما يتعلق بقراءة إمامنا لهذا الصباح فهو ؟ قول الله تبارك وتعالى : (( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ )) ، إلى آخره .
فهنا سؤال أولا : هل القسم هنا مثبت أو منفي ؟ (( لا أُقْسِمُ )) ؟ لأ ، اقرأ الآية ؟
الطالب : (( لا أُقْسِمُ )) .
الشيخ : (( لا أُقْسِمُ )) لو قلت " لا أقوم " ، مثبت ولا منفي ؟ إذا قلت " لا أقوم " هذا منفي ولا مثبت ؟
الطالب : هذا منفي .
الشيخ : منفي ، طيب ، (( لا أُقْسِمُ )) .
الطالب : هنا اللام زائدة .
الشيخ : أنا ما أسألك زائدة ولا ناقصة (( لا أُقْسِمُ )) ألا تكون كقوله لا أقوم لماذا ؟
الطالب : لأ ، لأن " اللام " في الأول " لا أقوم " للنفي ، أما هنا فلا ، تكون .
الشيخ : أنت قلت : " لأن اللام " هذا صحيح ؟ " لأن اللام " صحيح ؟ تعبير صحيح ؟ " لأن اللام " ؟ ولا ، لأن " لا " ، لا شوف بارك الله فيك .
خذ ضابطا عند النحويين ، يقولون ، " إذا كانت الكلمة مكونة من حرفين فأكثر فانطق بها بلفظها ، وإذا كانت حرفا واحدا فانطق بها باسمها " فتقول : المال لفلان ، تقول : " اللام " حرف جر ، ما تقول : " ل " حرف جر ، لكن إذا قلت : " لن أقوم " فتقول : " لن " حرف نفي ونصب ، عرفت القاعدة .
إذن (( لا أُقْسِمُ )) مكونة " لا " من حرفين من " اللام والألف " وحينئذ نقول " لا " في قوله تعالى : (( لا أُقْسِمُ )) ليست للنفي ، بل هي للتوكيد ـ تمام ـ للتوكيد والتنبيه ، طيب استرح ، إذا زال الإشكال (( لا أُقْسِمُ )) ليس نفيا للقسم ، ولكنه إثبات للقسم مصدّر بلا التي للتنبيه .
ثانيا : كيف يقسم الله عز وجل على الشيء ، وهو جل وعلا أصدق القائلين ؟ أنت ،
الطالب : تعظيما للمقسم به ؟
الشيخ : تعظيما للمقسم به ، هو على كل حال ، القسم يدل على تعظيم المقسم به ، لكن أنا أسأل كيف يقسم الله ، وهو الصادق بدون قسم ؟ استرح ، يقسم الله تعالى على الشيء ، وهو الصادق بدون قسم ، إما لإنكار الغير ، فلإثباته ، مثل قوله تعالى : (( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا )) يعني أنكروا البعث ، فقال الله تعالى : (( قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ )) .
وإما لكون المقسم عليه شيئا عظيما ، المقسم عليه شيئا عظيما ، يحتاج إلى إثبات ، مثل يوم القيامة ، يوم القيامة لو لم يؤمن به الإنسان ما عمل ولا آمن ، لا يحمل الإنسان على الإيمان بالله عز وجل ، إلا ما عنده من الآيات الدالة على الله سبحانه وتعالى ، وما له من الأسماء والصفات و، كذلك الإيمان باليوم الآخر .
ولهذا يقرن الله تعالى الإيمان باليوم الآخر ، باللإيمان به في كثير من الآيات ، إذن الإيمان باليوم الآخر شيء عظيم يحتاج إلى إثباته وتقريره في النفوس ، فلهذا يقسم الله عليه .
الإشكال الثالث : (( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ )) ما هو المقسم عليه ؟ المقسم عليه ، أن : " يوم القيامة حق " فيكون الله تعالى أقسم بيوم القيامة على ثبوت إيش ؟ يوم القيامة ، وحينئذ يكون المقسم به والمقسم عليه ، متحدا في المعنى شيئا واحدا .
فإذا قال قائل : كيف يكون هذا ؟ قلنا لتأكيد المقسم عليه ، لأنه إذا أكد المقسم عليه بالمقسم به ، صار كأنه يقول إن المقسم عليه ثابت كثبوت قسمي بهذا ، وعلى هذا ـ فيكون المقسم ـ فيكون اتحاد المقسم به ، والمقسم عليه ، من باب تأكيد وجود المقسم عليه .
إذن " المقسم به " الآن في الآية : " يوم القيامة ، والمقسم عليه ، يوم القيامة " أي : (( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ )) إن يوم القيامة حق .
طيب نبدأ بالتفسير (( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ )) يوم القيامة هو اليوم الذي يقوم فيه الناس من قبورهم لله عز وجل ، وسمي يوم القيامة لأمور ثلاثة :
الأمر الأول : أن الناس يقومون فيه لله رب العالمين ، كما قال الله تعالى : (( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ )) .
الثاني : أنه يقام فيه الأشهاد ، كما قال الله تعالى : (( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ )) .
الثالث : أن يقوم فيه العدل بين الناس ، لقول الله تبارك وتعالى : (( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ )) فيوم القيامة هو اليوم الآخر ، الذي لا موت بعده ولا فناء بعده ، وهو المثوى الأخير للناس ، المثوى الأخير للناس ، هو يوم القيامة إما جنة وإما نار .
وأما ما يقوله بعض الجهال : من أنه إذا مات الشخص قالوا : " انتقل إلى مثواه الأخير " ،! فهذا غلط كيف ، كيف يكون هذا هو المثوى الأخير ،! والله يقول سبحانه وتعالى : (( ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ )) المثوى الأخير لا شيء بعده ، وقال الله تعالى : (( مِنْها خَلَقْناكُمْ )) إيش ؟ (( وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ )) وإذا كنا نُخرج من الأرض بعد أن نكون فيها ، فكيف تكون المثوى الأخير !.
ولهذا كان الأعرابي أفقه هن هؤلاء ،! أعرابي سمع رجلا يقول ، يقرأ قول الله تعالى : (( أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ )) فقال الأعرابي : إذن لا بد أن يكون هناك شيء بعد المقابر ، من أين أخذ ؟ أخذه من قوله : (( زُرْتُمُ )) قال : " إن الزائر غير مقيم " .
إذن هناك شيء وراء المقابر ، وهو كذلك ، وهؤلاء يقولون : " انتقل إلى مثواه الأخير " وما أظن هذه الكلمة إلا موروثة عمن ينكرون البعث ، لأن كثيرا من الكفار ينكرون البعث ، فيرون أن القبر هو المثوى الأخير ، فمشت هذه الكلمة بين الناس ، دون التروي في معناها ، ولو أن الرجل اعتقد مقتضاها ومدلولها ، لكان منكرا للبعث ، وإنكار البعث كفر .
لذلك يجب أن نطهر ألسنتنا وأقلامنا من هذه الكلمة ، ونقول : انتقل إلى القبور ، وسوف يبعث ، أو نقول انتقل إلى القبور ، ولا نتكلم عن البعث ، لأنه معلوم .
أما أن نقول : " إلى مثواه الأخير " والله يقول : (( ِمِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ )) هذا غير صحيح .