تفسير قوله تعالى (......إن علينا جمعه وقرءانه ، فإذا قرأنه فاتبع قرءانه ، ثم إن علينا بيانه ، كلا بل تحبون العاجلة ، وتذرون الآخرة .....). حفظ
الشيخ : (( إن علينا جمعه وقرآنه )). نعم الملتزم. (( إن علينا )) على هذه للإيجاب أوجب الله على نفسه أن يبين هذا القرآن. فقال : (( إن علينا بيانه )).
وهنا سؤال : هل يوجب الله على نفسه شيئا ؟ الجواب نعم يوجب على نفسه ما شاء تفضلا منه وكرما. وإلا فليس للعباد عليه حق واجب إلا ما أوجبه الله على نفسه. واسمع إلى قوله تعالى : (( كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم )). (( كتب على نفسه الرحمة )) كتب بمعنى إيه ؟ أوجب. فلله أن يوجب على نفسه ما شاء. وله مأن يوجب على عباده ما شاء ، لأن له الحكم وإليه الحكم. فهنا قال : (( إنّ علينا جمعه وقرءانه )) يعني نحن نجمعه. فلا يفوتك منه شيء (( وقرآنه )) أي نقرأ (( فإذا قرأناه فاتبع قرءانه )) إذا قرأناه الضمير ضمير الفاعل يعود على من ؟ على الله. وضمير المفعول الهاء على القرآن. والقارئ جبريل القارئ الذي يملي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو جبريل. فلماذا أضاف الله فعل جبريل إلى نفسه وقال : (( إذا قرأناه ))؟
فالجواب سهل : هو أن جبريل رسول رب العالمين عز وجل. فقراءته ما أرسله الله به قراءة لله عز وجل. (( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه )). ولهذا ينبغي للإنسان من يتعلم القرآن ألا يعاجل المقرئ بل ينتظر حتى يقف على مقطع من المقاطع ثم يتبع. (( ثم إن علينا بيانه )) بيانه إيش؟ بيانه بالقول ولا بيانه بالقول والمعنى ؟ بالقول والمعنى. على الله تعالى بيانه عز وجل بالقول لا يضيع منه شيء. والمعنى لا يحرف منه شيء. ولو حرف أحد شيئا من كتاب الله لقيض الله له من يفضحه ويرد عليه تحريفه كما تعلمون مما حرفه أهل البدع من كلام الله عز وجل حيث يحرفون ويأتي إليهم أهل السنة والجماعة فينقضون هذا التحريف ويفضحونهم به وسيأتي لهذا مثال في نفس السورة.
الطالب : ... .
الشيخ : قال الله عز وجل : (( ثم إن علينا بيانه )) وقال سبحانه وتعالى : (( وأنزلنا إليك الذكر )) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (( لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون )) لتبين للناس ما نزل إليهم باللفظ أو باللفظ والمعنى ؟ باللفظ والمعنى. ولهذا ما ترك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شيئا يخفى على الناس من كتاب الله إلا بينه. وسيأتي لذلك مثال فيما بعد من هذه السورة. ثم قال عز وجل : (( كلا بل تحبون العاجلة * وتذرون الآخرة )) العاجلة هي الدنيا والآخرة هي الدار الآخرة. وما أكثر الذين يحبون العاجلة ويتركون الآخرة ! ما أكثرهم ! إن تسعمائة و تسعة وتسعين من بني آدم كلهم في النار إلا واحد في الألف ففي الجنة. ولهذا صح أن يوجه الخطاب للعموم لأنهم الأكثر يحبون العاجلة ويذرون الآخرة.
(( وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة )) (( وجوه يومئذ )) أي يوم تقوم القيامة (( ناضرة إلى ربها ناظرة )) ناضرة الأولى بمعنى حسنة. ولهذا كتبت بالصاد (( إلى ربها ناظرة )) بالظاء أي تنظر إلى الله عز وجل. هذه الوجوه تنظر إلى الله تبارك وتعالى. وانظر إلى اللطف والإحسان في إضافة الربوبية هنا إلى هذه الوجوه وهي ربوبية خاصة غير الربوبية العامة. حيث ربى الله تعالى هؤلاء القوم على ما يرضيه وأباحهم النظر إلى وجهه عز وجل. اللهم ارزقنا النظر إلى وجهك يا رب العالمين.