شرح قول المصنف "الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا حفظ
الشيخ : " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق " : الله تعالى يحمد على كماله عز وجل وعلى إنعامه على كماله وعلى إنعامه، فنحن نحمد الله عز وجل لأنه كامل الصفات من كل وجه ونحمده أيضا لأنه كامل الإنعام والإحسان (( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ )) وأكبر نعمة أنعم الله بها على الخلق إرسال الرسل الذي به هداية الخلق ولهذا المؤلف يقول : " الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق " والمراد بالرسول هنا الجنس فإن جميع الرسل أرسلوا بالهدى ودين الحق، ولكن الذي أرسل بدين الحق الكامل من كل وجه هو محمد صلى الله عليه وسلم فإنه ختم الله به الأنبياء وتم به البناء كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بالنسبة للرسل كرجل بنى قصرا وأتمه إلا موضع لبنة فكان الناس يأتون إلى هذا القصر ويتعجبون منه، إلا موضع هذه اللبنة يقول : ( فأنا اللَبِنَة، وأنا خاتم النبيين ) عليه الصلاة والسلام.
وقوله : "بالهدى" الباء هنا للمصاحبة والهدى هو العلم النافع و" ودين الحق " هو العمل الصالح لأن الدين هو العمل أو الجزاء على العمل وكل عمل سوى الإسلام فهو باطل والإسلام هو دين الحق .
قال : " ليظهره على الدين كله " : اللام للتعليل ومعنى " ليظهره " يعني : يعليه لأن الظهور ـ يا بخاري ـ الظهور بمعنى العلو ومنه ظهر الدابة بمعنى أعلاها ومنه ظهر الأرض سطحها كما قال تعالى : (( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ )) ليظهره : أي يعليه على الدين كله ليظهره الهاء في " يظهره " هل هو عائد على الرسول ولا على الدين ؟ يعني على الدين الحق ولا على الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
إن كان عائداً على " دين الحق " فكل من قاتل لدين الحق سيكون هو العالي كل من قاتل لهذا الدين سيكون هو العالي لأن الله يقول : ((ليظهره )) يظهر هذا الدين على الدين كله طيب وعلى ما لا دين له لأن فيه ناس ما لهم دين يظهر عليهم ولا لا ؟ من باب أولى لأن من لا يدين أخبث ممن يدين بباطل فإذا كل الأديان والتي يزعم أهلها أنهم على حق سيكون دين الإسلام عليه ظاهرا طيب .
وإن قلنا إنه عائد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فإنما يظهر الله رسوله لأن معه دين الحق.
وعلى كلا التقديرين فإن من تمسك بهذا الدين الحق فهو الظاهر العالي ومن ابتغى العزة بغيره فقد ابتغى الذل أليس كذلك ؟ لأنه لا يمكن لا ظهور ولا عزة ولا كرامة إلا بالدين ولهذا أنا أدعوكم معشر الإخوة إلى التمسك بدين الله ظاهرا وباطنا في العبادة والسلوك والأخلاق وفي الدعوة إليه حتى تقوم الملَّة وتستقيم الأمة .
قال : " ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً " كفى بالله يقول المعربون : إن الباء هنا زائدة لتحسين اللفظ والمبالغة في الكفاية وكفى بالله، وأن أصلها وكفى الله، و" شهيداً " : تمييز محول عن الفاعل لأن أصلها وكفت شهادة الله.
معنى هذا، المؤلف جاء بالآية يعني لو قال قائل : ما مناسبة " كفى بالله شهيداً " لقوله : " ليظهره على الدين كله " ؟
فالمناسبة ظاهرة، لأن هذا النبي عليه الصلاة والسلام جاء يدعو الناس ويقول : ( من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني دخل النار ) ويقول : ( من أطاعني سالمته ومن عصاني حاربته ) ويحارب الناس بهذا الدين ويستبيح دماءهم وأموالهم ونساءهم وذريتهم وهو في ذلك منصور مؤزر غالب غير مغلوب فهذا التمكين له في الأرض تمكين الله لرسوله في الأرض شهادة من الله فعلية ولا قولية ؟ شهادة فعلية بأنه صادق وأن دينه حق، لأن كل من افترى على الله كذبا فمآله الخذلان والزوال والعدم وانظر إلى الذين ادعوا النبوة ماذا كان مآلهم ؟ أن نسوا وأهلكوا مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وغيرهما ممن ادعوا النبوة كلهم تلاشوا وبان بطلان قولهم وحرموا الصواب والسداد لكن هذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم على العكس دعوته إلى الآن والحمد لله باقية ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم عليها دعوته إلى الآن باقية وإلى أن تقوم الساعة ثابتة راسخة نعم، يستباح بدعوته إلى اليوم دماء من ناوأها من الكفار وأموالهم ونساؤهم وذريتهم هذه الشهادة فعلية ولا لأ ؟ فعلية ما أخذه الله ولا فضحه ولا كذّبه ولهذا جاءت بعد قوله : (( ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا )) .