شرح قول المصنف : وتؤمن الفرقة الناجية - أهل السنة والجماعة - بالقدر خيره وشره حفظ
الشيخ : " أهل السنة والجماعة "
الفرقة الناجية يعني الطائفة الناجية، ووصفت بهذا الوصف لأنها نجت في الدنيا من البدع وتنجو في الآخرة من النار.
وإن شئت فقل: لأنها نجت في الدنيا من المخالفة، وفي الآخرة من النار.
أما كونها نجت في الدنيا من المخالفة فلقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ).
وأما كونها نجت من النار فلأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( كلها في النار إلا واحدة ).
أهل السنة والجماعة، أهل السنة لأنهم متمسكون بها، والجماعة لأنهم مجتمعون عليها.
ولهذا لا تجد أهل البدع مجتمعين، تجد مثلا الجبرية مختلفين، وتجد المعتزلة مختلفين، وتجد الأشاعرة مختلفين، لكن أهل السنة والجماعة كلهم متفقون. وسيأتي إن شاء الله تعالى تفسير الجماعة في كلام المؤلف في آخر الرسالة.
قال : " بالقدر خيره وشره " نتكلم الآن على كلمة القدر، وهل هي مرادفة للقضاء أو مباينة؟
فالقدر بمعنى: التقدير، قال الله تعالى : (( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )) ، وقال تعالى : (( فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ )). فهو في اللغة التقدير.
وأما القضاء، فهو في اللغة : الحكم.
ولهذا نقول : إن القضاء والقدر متباينان إن اجتمعا، ومترادفان إن تفرقا، على حد قول العلماء : هما كلمتان: إن اجتمعتا افترقتا، وإن افترقتا اجتمعتا.
فإذا قيل : القضاء هذا قضاء الله أو القدر فقط ، هذا قدر الله، فهو شامل للقضاء.
أما إذا ذكرا جميعاً، فلكل واحد منهما معنى.
فالتقدير : هو ما قدره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه. هذا التقدير.
وأما القضاء، فهو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير. هذا إذا ذكرا ايش؟ إذا ذكرا جميعا. وعلى هذا يكون التقدير سابقاً أو لاحقا؟ سابقا لأن التقدير ما قدره الله في الأزل في علمه عز وجل أن يكون في خلقه، والقضاء هو نفس إيقاع هذا المقدر من إيجاد أو إعدام أو تغيير لأن جميع القضاء يدور على هذه الثلاثة: إما إيجاد معدوم، أو إعدام موجود، أو تغيير نقله من صفة إلى صفة، واضح؟ طيب. فإذا قلت: أنت ذكرت أن القضاء هو ما يقضيه الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير وأن القدر سابق عليه إذا اجتمعا، فإن هذا يعارض قول الله تعالى : (( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً )) (( خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ )) فإن هذه الآية ظاهرها أن التقدير بعد الخلق، وعلى تفسيرنا يكون ها؟ التقدير قبل الخلق.
فالجواب على ذلك من أحد وجهين :
إما أن نقول : إن هذا من باب الترتيب الذكري لا المعنوي. وإنما قُدِّم الخلق على التقدير لتناسب رؤوس الآيات. (( خلق كل شيء فقدره تقديرا ))
ألم تر إلى أن موسى أفضل من هارون، لكن قدم هارون عليه في سورة طه لتناسب رؤوس الآيات.
طيب، وعلى هذا يكون ترتيبا ذكريا.