شرح قول المصنف : لا يكون في ملكه ما لا يريد حفظ
الشيخ : قال المؤلف رحمه الله : " لا يكون في ملكه ما لا يريد " " لا يكون في ملكه " أي غلط. كيف قبل عشر؟ هو المقرر قبل عشر أو قبل خمس؟
" ما لا يريد ". هذه العبارة تحتاج إلى تفصيل في الواقع. لا يكون في ملكه ما لا يريد بالإرادة الكونية. أما بالإرادة الشرعية فيكون في ملكه ما لا يريد.
وحينئذ، نحتاج إلى أن نقسم الإرادة إلى قسمين : إرادة كونية، وإرادة شرعية.
تختلف الإرادتان في موجَبهما وفي متعلقهما، تختلف الإرادتان في موجَبهما وفي متعلقهما.
أولا : في المتعلق :
الإرادة الكونية تتعلق فيما وقع سواء أحبه أم كرهه، والإرادة الشرعية تتعلق فيما أحبه، سواء وقع أم لم يقع. عرفتم؟ طيب.
في موجَبهما:
الإرادة الكونية يقع فيها المراد أو يتعين فيها وقوع المراد. والإرادة الشرعية لا يتعين فيها وقوع المراد، فهذان فرقان بين الإرادتين. طيب.
إذا قال قائل : هل يكون في ملك الله ما لا يريد؟
إن قلت : نعم. أخطأت. إن قلت : لا أخطأت. إن فصلت أصبت، واضح؟
طيب، كيف يكون هذا التفضيل ؟ إن أردت بالإرادة الإرادة الكونية فكلامك صحي،. لا يكون في ملك الله ما لا يريد. وإن أردت الإرادة الشرعية فهذا خطأ لأنه يكون في ملك الله ما لا يريد شرعا، فالمعاصي الواقعة مرادة لله كونا، غير مرادة شرعا، فكانت في ملك الله مع أنه لا يريدها شرعا، واضح؟ طيب، أرجو الانتباه الآن.
نقول الإرادة تنقسم إلى قسمين : إرادة كونية وإرادة شرعية تختلف الإرادتان في؟ في متعلقهما وفي موجَبهما، كيف الاختلاف؟ الإرادة الكونية تتعلق فيما وقع، سواء أحبه الله أم كرهه. والشرعية فيما أحبه سواء وقع أم لم يقع.
الموجب: الإرادة الكونية يجب فيها وقوع المراد، والإرادة الشرعية لا يجب فيها وقوع المراد، واضح يا جماعة؟ طيب (( إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير )) والثانية (( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير )).
ثم قال رحمه الله : " إن الكتابة تكون جملة وتكون تفصيلا " وأشار إلى ما يكون والجنين في بطن أمه فقال : " وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً " يعني واحدا من الملائكة. ( فيؤمر بأربع كلمات، فيقال له: اكتب ، رزقه - هذه واحدة - وأجله - اثنتان - وعمله - ثلاث - وشقي أم سعيد - هذه الرابعة - ) ما نقول هذه الرابعة والخامسة؟ لأنها واحدة من ثنتين فهي أربعة كلمات.
يكتب رزقه لا يزيد ولا ينقص، يكتب أجله لا يزيد ولا ينقص، يكتب عمله صالح أو فاسد، يكتب مآله شقي أم سعيد، فلا يزاد فيه ولا ينقص.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يبسط له في أثره في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) فإنه لا يعارض هذا الحديث، لأنه يكون هذا الذي أحب أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه يكون قد كتب بأنه سوف يصل رحمه ويبسط له في رزقه وينسأ له في أثره، يكون أمره قد كتب وانتهى، وليس هذا أمرا يزداد بعد أن كتب ناقصا.
فإن قال قائل : إذا حملت الحديث على هذا المعنى فما الفائدة من قوله عليه الصلاة والسلام : ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره )، فإذا قلت إن هذا كان مكتوبا فما الفائدة؟
نقول: الفائدة من ذلك هو حث الإنسان على فعل السبب الذي علم الله أنه سيفعله وكتب أجله ورزقه بناء على هذا السبب الذي سيفعله.
نظير ذلك الإنسان نقول: من أراد أن يولد فليتزوج، من أحب أن يولد له فليتزوح، ويكون هذا أمرا مكتوبا من قبل أن هذا سيتزوج وسوف يولد له، لكن أقول ذلك من باب الحث على أن يتزوج.
فهذه المسألة ما فيها إشكال، يعني أنا أتعجب كيف وقع الإشكال من كثير من أهل العلم في هذه المسألة؟ كيف يمكن أن يزاد في أجله وهو مقدر؟ وكيف يمكن أن يبسط له في رزقه وقد قدر من قبل؟
نقول: الأمر ما فيه إشكال، الأمر لم يتغير، هو قد كتب في علم الله وفي اللوح المحفوظ أنه سيصل رحمه ويبسط له في الرزق بسببه ويؤخر في عمره بسببه، لكن هو عالم بذلك ولا غير عالم؟ هو غير عالم، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يحث الإنسان على فعل السبب الذي ليس عالما به وبنتائجه وإلا فإن الرزق والأجل والعمل وجميع الأشياء مقدرة من قبل ليس فيها زيادة وليس فيها نقص.
طيب، قال : ( وشقي أم سعيد ) وقد قسم الله سبحانه وتعالى الناس إلى قسمين شقي وسعيد، كما قال الله تعالى : (( يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد )) أي: ومنهم سعيد، كما في قوله : (( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن )) فالناس لا يخرجون عن هذين القسمين الكفر والإيمان والشقاوة والسعادة.
طيب هذه الكتابة، فيها الكتابة الحولية. متى تكون؟ في ليلة القدر، ودليل ذلك قوله تعالى : (( فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين )).
وهناك كتابات يومية تكتب فيها الأعمال وهي التي جاءت في الحديث الصحيح : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به إلى مكان سمع فيه صريف الأقلام ) لكن هذه كتابة للأعمال ليثاب عليها أو يعاقب.
قال : " فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديما ومنكروه اليوم قليل " هذا في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه لله يقول : المنكرين لهذا القدر الذي هو العلم والكتابة كانوا قليلين، لكن أول ما ظهرت القدرية كانوا ينكرون العلم والكتابة، ثم لما رأوا الناس قد شنعوا عليهم ورأوا أن هذا كفر عدلوا عن ذلك إلى إنكار المشيئة والخلق، وقالوا : إن الله عز وجل لا يشاء ولا يخلق أفعال العباد كما سيأتي.
" أما الدرجة الثانية فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهي الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " قرأنها هذا. " وأن ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه ".
وذكرنا في أثناء ذلك أن مشيئة الله متعلقة بأفعاله وأفعال الخلق.
وذكرنا الدليل على هذا، فقلنا الدليل على تعلق مشيئة الله بأفعاله أو من الأدلة على تعلق مشيئة الله بأفعاله قوله تعالى : (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة )) (( فلو شاء الله لهداكم أجمعين )) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على أن فعل الله واقع بمشيئته.
أما الأدلة على أن فعل العبد واقع بمشيئته فهي أيضا كثيرة ومنها (( ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعده من بعد ماجاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا )) ومنها قوله تعالى : (( ولو شاء ربك ما فعلوه )) وقوله : (( ولو شاء الله ما فعلوه )).
ثم إننا تكلمنا على قول المؤلف : " ولا يكون في ملكه ما لا يريد " وقلنا إن كان المؤلف يريد بقوله ما لايريد الإرادة الكونية فهذا؟ صحيح وحق، فإنه لا يمكن أن يكون في ملك الله ما لا يريده كونا، وإن كان يريد ما لا يريده شرعا فهذا ليس بصحيح لكن المؤلف لا يريد هذا قطعا، لأننا نعرف اختياره رحمه الله فيكون المراد بقوله : " ولا يكون في ملكه ما لا يريد " أي إرادة كونية.
وذكرنا أيضا الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية في متعلقها وفي موجَبها.
فقلنا : الإرادة الكونية تتعلق فيما وقع سواء كان محبوبا أم غير محبوب. والإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما هو محبوب.
أما الموجب : فالإرادة الكونية لا بد فيها من وقوع المراد، والإرادة الشرعية لا يلزم فيها وقوع المراد، أعرفتم هذا؟ طيب.
فإذا قال لنا قائل : ما تقولون في إيمان أبي بكر؟ أهو مراد بالإرادة الكونية أم بالشرعية؟ الجواب : بالكونية والشرعية، بالكونية لأنه وقع، وبالشرعية لأنه محبوب إلى الله، لأنه محبوب إلى الله عز وجل.
ولو قال : ما تقولون في كفر أبي لهب؟ قلنا: هو مراد بالإرادة الكونية غير مراد بالإرادة الشرعية، بالإرادة الكونية لأنه وقع، لا بالإرادة الشرعية لأن الله لا يحبه، كذا؟ طيب.
ولو قال قائل : ما تقولون في إيمان أبي لهب؟ أي في المطلوب منه؟ قلنا هو مراد شرعا غير مراد كونا، غير مراد كونا، لأنه لم يقع، مراد شرعا لأن الله يريد منه ومن غيره أن يؤمن.
طيب ما تقولون في كفر المؤمن؟ في كفر المؤمن؟ نقول : هذا غير مراد لا شرعا ولا كونا، غير مراد شرعا لأن الله لا يحبه وغير مراد كونا لأنه لم يقع. طيب.
ثم قال : " وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات " شوف على كل شيء، كل شيء فالله قادر عليه من الموجودات فيعدمها أو يغيرها، ومن المعدومات فيوجدها. فالقدرة تتعلق في في الموجود بإيجاده وفي الموجود بتغييره، وفي المعدوم. واضح؟ طيب.
فمثلا : الموجود قادر أن يعدمه ولا لا؟ وقادر أن يغيره؟ وقادر أن يغيره يعني ينقله من حال إلى حال.
المعدوم قادر على أن يوجده مهما كان.
طيب. القدرة هذه شاملة (( على كل شيء قدير )). ذكر بعض العلماء استثناء من ذلك، وقال : إلا ذات الله فليس عليها بقادر.
وقلنا له: ما الدليل على تخصيصك؟ قال: العقل، قال: العقل. فهل هذا صحيح؟ اه؟ غير صحيح؟ اه؟
نقول : ماذا تريد بأنه غير قادر على ذاته؟
إن أردت أنه غير قادر على أن يجعل في ذاته نقصا فنحن نوافقك على أن الله تعالى لا يلحقه النقص، لكننا لا نوافقك على أن هذا مما تتعلق به القدرة، ليش؟ لأن القدرة إنما تتعلق بالشيء الممكن، أما الشيء الواجب وجوده أو المستحيل وجوده ، فهذا ما تتعلق به القدرة.
فمثلا لو قال : هل تقولون إن الله قادر على أن يعدم نفسه سبحانه وتعالى؟ ماذا نقول؟ هذا شيء مستحيل، مستحيل العدم، والوجود واجب، فهو من الجهتين لا تتعلق به القدرة لأن ما وجب وجوده امتنع عدمه.
وحينئذ يكون وجود الله عز وجل من الأمور الواجبة التي لا تقبل العدم بأي وجه من الوجوه، وعدمه عز وجل أمر مستحيل.
وإن أردت بقولك : إنه غير قادر على ذاته : أنه غير قادر على أن يفعل، غير قادر على أن يجيء، غير قادر على أن يستوي على العرش، غير قادر على أن ينزل إلى السماء الدنيا فهذا هذا خطأ ليس بصحيح، بل هو قادر على ذلك، وفاعل له. ولو قلنا : إنه ليس بقادر على مثل هذه الأفعال، لكان ذلك من أكبر النقص الذي نصف الله به.
فصارت هذه الجملة أن ذات الله لا تتعلق بها القدرة جملة خاطئة على وجه الإجمال، لكنها على وجه التفصيل يتبين فيها الباطل من الصحيح.
هذا نقوله إذا كان أمامنا من يخاطبنا بمثل هذه العبارة، وإلا فإن الأسلم بلا شك أن لا ترد هذه العبارة أصلا يعني بأن نقول هو على كل شيء قدير، ولا نقول خص العقل ذاته فليس عليها بقادر، بل نقول هو على كل شيء قدير، ونسكت. واضح؟
المؤلف رحمه الله يقول : " وأن الله على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات ".
وإنما نص على هذا، لبيان الرد، أو رداً على القدرية الذين قالوا : إن الله ليس بقادر على فعل العبد، وأن العبد مستقل بعمله، ما لله فيه قدرة والعياذ بالله، ولكن ما في الكتاب والسنة من شمول قدرة الله يرد عليهم.
قال : " فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه ".
هذا الحصر صحيح ولا غير صحيح؟ صحيح. " ما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه " ما خلقه غيره . قال الله تعالى : (( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )) وقال تعالى : (( أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ )). فلا يمكن أن يوجد شيء في السماء والأرض إلا الله خالقه وحده.
ولقد تحدى الله العابدين للأصنام تحداهم تحدياً أمرنا أن نستمع له فقال : (( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له )) سمعنا وأطعنا (( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً ولو اجتمعوا له )). ومعلوم أن الذين يدعون من دون الله في القمة ، لأنهم اتخذوهم أرباباً. فإذا عجز هؤلاء القمة عن أن يخلقوا ذباباً وهو من أخس الأشياء وأردئها، فما فوقه من باب أولى. أو تقول : العاجز عن خلق الذباب يقدر على أن يخلق الجمل؟ اه؟ لا؟ نعم الي يعجز عن خلق الذباب كيف يخلق الجمل؟ ما هو خالق شيء أبدا، زد على ذلك (( وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْه )) إذن يعجزون حتى عن مدافعة الذباب وأخذ حقهم منه، كيف يسلب الذباب هذه الأصنام ؟
قال بعض العلماء : إن هذا من باب التقدير يعني على فرض أن يسلبهم الذباب شيئاً، لا يستنقذوه منه، وقال بعضهم : بل المراد ما يسلبه الذباب من الأطياب التي تجعل على هذه الأصنام، الذباب يقع على هذه الأصنام ويحكها حكا ويأكل الي فيها، نعم؟ تجي الأصنام تركض على هذا الذباب يلا امسكوه طلعوا الي وكله، ولا ما يمكن؟ ما يمكن.
لا يستنقذوه منه قال الله تعالى : (( ضعف الطالب والمطلوب )). إذن ما من مخلوق في السماء والأرض إلا الله خالقه. ولا أحد يدعي أنه خالق مع الله. ولو ادعى لقلنا له يلا أنت خالق مع الله؟ اخلق ذبابا. ما يستطيع. اخلق بعوضا ما يستطيع. (( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها )) نعم؟ أو أكبر أو أقل ما يمكن يخلق. فما من مخلوق في السماء والأرض إلا الله خالقه لا خالق غيره ولا رب سواه. نعم وسبق أنه أشار رحمه الله إلى أن الدرجة الثانية تتضمن شيئين: المشيئة والخلق، المشيئة والخلق.
وأشار رحمه الله إلى الإرادة وذكرنا أن الإرادة تنقسم إلى قسمين : إرادة شرعية وإرادة كونية وأن الفرق بينهما من حيث المتعلق والموجب.
متعلق الإرادة الكونية ما وقع سواء كان محبوبا أم غير محبوب، متعلق الإرادة الشرعية ما أحب ما أحبه سواء كان واقعا أم غير واقع.
الموجب الإرادة الكونية يجب فيها وقوع المراد، والإرادة الشرعية اه؟ لا يجب فيها وقوع المراد.
وإلى هذا إذا قال لك قائل : هل أراد الله الشر؟ فقل : أما كونا فنعم، وأما شرعا فلا.
" ما لا يريد ". هذه العبارة تحتاج إلى تفصيل في الواقع. لا يكون في ملكه ما لا يريد بالإرادة الكونية. أما بالإرادة الشرعية فيكون في ملكه ما لا يريد.
وحينئذ، نحتاج إلى أن نقسم الإرادة إلى قسمين : إرادة كونية، وإرادة شرعية.
تختلف الإرادتان في موجَبهما وفي متعلقهما، تختلف الإرادتان في موجَبهما وفي متعلقهما.
أولا : في المتعلق :
الإرادة الكونية تتعلق فيما وقع سواء أحبه أم كرهه، والإرادة الشرعية تتعلق فيما أحبه، سواء وقع أم لم يقع. عرفتم؟ طيب.
في موجَبهما:
الإرادة الكونية يقع فيها المراد أو يتعين فيها وقوع المراد. والإرادة الشرعية لا يتعين فيها وقوع المراد، فهذان فرقان بين الإرادتين. طيب.
إذا قال قائل : هل يكون في ملك الله ما لا يريد؟
إن قلت : نعم. أخطأت. إن قلت : لا أخطأت. إن فصلت أصبت، واضح؟
طيب، كيف يكون هذا التفضيل ؟ إن أردت بالإرادة الإرادة الكونية فكلامك صحي،. لا يكون في ملك الله ما لا يريد. وإن أردت الإرادة الشرعية فهذا خطأ لأنه يكون في ملك الله ما لا يريد شرعا، فالمعاصي الواقعة مرادة لله كونا، غير مرادة شرعا، فكانت في ملك الله مع أنه لا يريدها شرعا، واضح؟ طيب، أرجو الانتباه الآن.
نقول الإرادة تنقسم إلى قسمين : إرادة كونية وإرادة شرعية تختلف الإرادتان في؟ في متعلقهما وفي موجَبهما، كيف الاختلاف؟ الإرادة الكونية تتعلق فيما وقع، سواء أحبه الله أم كرهه. والشرعية فيما أحبه سواء وقع أم لم يقع.
الموجب: الإرادة الكونية يجب فيها وقوع المراد، والإرادة الشرعية لا يجب فيها وقوع المراد، واضح يا جماعة؟ طيب (( إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير )) والثانية (( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير )).
ثم قال رحمه الله : " إن الكتابة تكون جملة وتكون تفصيلا " وأشار إلى ما يكون والجنين في بطن أمه فقال : " وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً " يعني واحدا من الملائكة. ( فيؤمر بأربع كلمات، فيقال له: اكتب ، رزقه - هذه واحدة - وأجله - اثنتان - وعمله - ثلاث - وشقي أم سعيد - هذه الرابعة - ) ما نقول هذه الرابعة والخامسة؟ لأنها واحدة من ثنتين فهي أربعة كلمات.
يكتب رزقه لا يزيد ولا ينقص، يكتب أجله لا يزيد ولا ينقص، يكتب عمله صالح أو فاسد، يكتب مآله شقي أم سعيد، فلا يزاد فيه ولا ينقص.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يبسط له في أثره في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) فإنه لا يعارض هذا الحديث، لأنه يكون هذا الذي أحب أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه يكون قد كتب بأنه سوف يصل رحمه ويبسط له في رزقه وينسأ له في أثره، يكون أمره قد كتب وانتهى، وليس هذا أمرا يزداد بعد أن كتب ناقصا.
فإن قال قائل : إذا حملت الحديث على هذا المعنى فما الفائدة من قوله عليه الصلاة والسلام : ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره )، فإذا قلت إن هذا كان مكتوبا فما الفائدة؟
نقول: الفائدة من ذلك هو حث الإنسان على فعل السبب الذي علم الله أنه سيفعله وكتب أجله ورزقه بناء على هذا السبب الذي سيفعله.
نظير ذلك الإنسان نقول: من أراد أن يولد فليتزوج، من أحب أن يولد له فليتزوح، ويكون هذا أمرا مكتوبا من قبل أن هذا سيتزوج وسوف يولد له، لكن أقول ذلك من باب الحث على أن يتزوج.
فهذه المسألة ما فيها إشكال، يعني أنا أتعجب كيف وقع الإشكال من كثير من أهل العلم في هذه المسألة؟ كيف يمكن أن يزاد في أجله وهو مقدر؟ وكيف يمكن أن يبسط له في رزقه وقد قدر من قبل؟
نقول: الأمر ما فيه إشكال، الأمر لم يتغير، هو قد كتب في علم الله وفي اللوح المحفوظ أنه سيصل رحمه ويبسط له في الرزق بسببه ويؤخر في عمره بسببه، لكن هو عالم بذلك ولا غير عالم؟ هو غير عالم، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يحث الإنسان على فعل السبب الذي ليس عالما به وبنتائجه وإلا فإن الرزق والأجل والعمل وجميع الأشياء مقدرة من قبل ليس فيها زيادة وليس فيها نقص.
طيب، قال : ( وشقي أم سعيد ) وقد قسم الله سبحانه وتعالى الناس إلى قسمين شقي وسعيد، كما قال الله تعالى : (( يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد )) أي: ومنهم سعيد، كما في قوله : (( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن )) فالناس لا يخرجون عن هذين القسمين الكفر والإيمان والشقاوة والسعادة.
طيب هذه الكتابة، فيها الكتابة الحولية. متى تكون؟ في ليلة القدر، ودليل ذلك قوله تعالى : (( فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين )).
وهناك كتابات يومية تكتب فيها الأعمال وهي التي جاءت في الحديث الصحيح : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به إلى مكان سمع فيه صريف الأقلام ) لكن هذه كتابة للأعمال ليثاب عليها أو يعاقب.
قال : " فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديما ومنكروه اليوم قليل " هذا في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه لله يقول : المنكرين لهذا القدر الذي هو العلم والكتابة كانوا قليلين، لكن أول ما ظهرت القدرية كانوا ينكرون العلم والكتابة، ثم لما رأوا الناس قد شنعوا عليهم ورأوا أن هذا كفر عدلوا عن ذلك إلى إنكار المشيئة والخلق، وقالوا : إن الله عز وجل لا يشاء ولا يخلق أفعال العباد كما سيأتي.
" أما الدرجة الثانية فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهي الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " قرأنها هذا. " وأن ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه ".
وذكرنا في أثناء ذلك أن مشيئة الله متعلقة بأفعاله وأفعال الخلق.
وذكرنا الدليل على هذا، فقلنا الدليل على تعلق مشيئة الله بأفعاله أو من الأدلة على تعلق مشيئة الله بأفعاله قوله تعالى : (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة )) (( فلو شاء الله لهداكم أجمعين )) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على أن فعل الله واقع بمشيئته.
أما الأدلة على أن فعل العبد واقع بمشيئته فهي أيضا كثيرة ومنها (( ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعده من بعد ماجاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا )) ومنها قوله تعالى : (( ولو شاء ربك ما فعلوه )) وقوله : (( ولو شاء الله ما فعلوه )).
ثم إننا تكلمنا على قول المؤلف : " ولا يكون في ملكه ما لا يريد " وقلنا إن كان المؤلف يريد بقوله ما لايريد الإرادة الكونية فهذا؟ صحيح وحق، فإنه لا يمكن أن يكون في ملك الله ما لا يريده كونا، وإن كان يريد ما لا يريده شرعا فهذا ليس بصحيح لكن المؤلف لا يريد هذا قطعا، لأننا نعرف اختياره رحمه الله فيكون المراد بقوله : " ولا يكون في ملكه ما لا يريد " أي إرادة كونية.
وذكرنا أيضا الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية في متعلقها وفي موجَبها.
فقلنا : الإرادة الكونية تتعلق فيما وقع سواء كان محبوبا أم غير محبوب. والإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما هو محبوب.
أما الموجب : فالإرادة الكونية لا بد فيها من وقوع المراد، والإرادة الشرعية لا يلزم فيها وقوع المراد، أعرفتم هذا؟ طيب.
فإذا قال لنا قائل : ما تقولون في إيمان أبي بكر؟ أهو مراد بالإرادة الكونية أم بالشرعية؟ الجواب : بالكونية والشرعية، بالكونية لأنه وقع، وبالشرعية لأنه محبوب إلى الله، لأنه محبوب إلى الله عز وجل.
ولو قال : ما تقولون في كفر أبي لهب؟ قلنا: هو مراد بالإرادة الكونية غير مراد بالإرادة الشرعية، بالإرادة الكونية لأنه وقع، لا بالإرادة الشرعية لأن الله لا يحبه، كذا؟ طيب.
ولو قال قائل : ما تقولون في إيمان أبي لهب؟ أي في المطلوب منه؟ قلنا هو مراد شرعا غير مراد كونا، غير مراد كونا، لأنه لم يقع، مراد شرعا لأن الله يريد منه ومن غيره أن يؤمن.
طيب ما تقولون في كفر المؤمن؟ في كفر المؤمن؟ نقول : هذا غير مراد لا شرعا ولا كونا، غير مراد شرعا لأن الله لا يحبه وغير مراد كونا لأنه لم يقع. طيب.
ثم قال : " وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات " شوف على كل شيء، كل شيء فالله قادر عليه من الموجودات فيعدمها أو يغيرها، ومن المعدومات فيوجدها. فالقدرة تتعلق في في الموجود بإيجاده وفي الموجود بتغييره، وفي المعدوم. واضح؟ طيب.
فمثلا : الموجود قادر أن يعدمه ولا لا؟ وقادر أن يغيره؟ وقادر أن يغيره يعني ينقله من حال إلى حال.
المعدوم قادر على أن يوجده مهما كان.
طيب. القدرة هذه شاملة (( على كل شيء قدير )). ذكر بعض العلماء استثناء من ذلك، وقال : إلا ذات الله فليس عليها بقادر.
وقلنا له: ما الدليل على تخصيصك؟ قال: العقل، قال: العقل. فهل هذا صحيح؟ اه؟ غير صحيح؟ اه؟
نقول : ماذا تريد بأنه غير قادر على ذاته؟
إن أردت أنه غير قادر على أن يجعل في ذاته نقصا فنحن نوافقك على أن الله تعالى لا يلحقه النقص، لكننا لا نوافقك على أن هذا مما تتعلق به القدرة، ليش؟ لأن القدرة إنما تتعلق بالشيء الممكن، أما الشيء الواجب وجوده أو المستحيل وجوده ، فهذا ما تتعلق به القدرة.
فمثلا لو قال : هل تقولون إن الله قادر على أن يعدم نفسه سبحانه وتعالى؟ ماذا نقول؟ هذا شيء مستحيل، مستحيل العدم، والوجود واجب، فهو من الجهتين لا تتعلق به القدرة لأن ما وجب وجوده امتنع عدمه.
وحينئذ يكون وجود الله عز وجل من الأمور الواجبة التي لا تقبل العدم بأي وجه من الوجوه، وعدمه عز وجل أمر مستحيل.
وإن أردت بقولك : إنه غير قادر على ذاته : أنه غير قادر على أن يفعل، غير قادر على أن يجيء، غير قادر على أن يستوي على العرش، غير قادر على أن ينزل إلى السماء الدنيا فهذا هذا خطأ ليس بصحيح، بل هو قادر على ذلك، وفاعل له. ولو قلنا : إنه ليس بقادر على مثل هذه الأفعال، لكان ذلك من أكبر النقص الذي نصف الله به.
فصارت هذه الجملة أن ذات الله لا تتعلق بها القدرة جملة خاطئة على وجه الإجمال، لكنها على وجه التفصيل يتبين فيها الباطل من الصحيح.
هذا نقوله إذا كان أمامنا من يخاطبنا بمثل هذه العبارة، وإلا فإن الأسلم بلا شك أن لا ترد هذه العبارة أصلا يعني بأن نقول هو على كل شيء قدير، ولا نقول خص العقل ذاته فليس عليها بقادر، بل نقول هو على كل شيء قدير، ونسكت. واضح؟
المؤلف رحمه الله يقول : " وأن الله على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات ".
وإنما نص على هذا، لبيان الرد، أو رداً على القدرية الذين قالوا : إن الله ليس بقادر على فعل العبد، وأن العبد مستقل بعمله، ما لله فيه قدرة والعياذ بالله، ولكن ما في الكتاب والسنة من شمول قدرة الله يرد عليهم.
قال : " فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه ".
هذا الحصر صحيح ولا غير صحيح؟ صحيح. " ما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه " ما خلقه غيره . قال الله تعالى : (( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )) وقال تعالى : (( أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ )). فلا يمكن أن يوجد شيء في السماء والأرض إلا الله خالقه وحده.
ولقد تحدى الله العابدين للأصنام تحداهم تحدياً أمرنا أن نستمع له فقال : (( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له )) سمعنا وأطعنا (( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً ولو اجتمعوا له )). ومعلوم أن الذين يدعون من دون الله في القمة ، لأنهم اتخذوهم أرباباً. فإذا عجز هؤلاء القمة عن أن يخلقوا ذباباً وهو من أخس الأشياء وأردئها، فما فوقه من باب أولى. أو تقول : العاجز عن خلق الذباب يقدر على أن يخلق الجمل؟ اه؟ لا؟ نعم الي يعجز عن خلق الذباب كيف يخلق الجمل؟ ما هو خالق شيء أبدا، زد على ذلك (( وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْه )) إذن يعجزون حتى عن مدافعة الذباب وأخذ حقهم منه، كيف يسلب الذباب هذه الأصنام ؟
قال بعض العلماء : إن هذا من باب التقدير يعني على فرض أن يسلبهم الذباب شيئاً، لا يستنقذوه منه، وقال بعضهم : بل المراد ما يسلبه الذباب من الأطياب التي تجعل على هذه الأصنام، الذباب يقع على هذه الأصنام ويحكها حكا ويأكل الي فيها، نعم؟ تجي الأصنام تركض على هذا الذباب يلا امسكوه طلعوا الي وكله، ولا ما يمكن؟ ما يمكن.
لا يستنقذوه منه قال الله تعالى : (( ضعف الطالب والمطلوب )). إذن ما من مخلوق في السماء والأرض إلا الله خالقه. ولا أحد يدعي أنه خالق مع الله. ولو ادعى لقلنا له يلا أنت خالق مع الله؟ اخلق ذبابا. ما يستطيع. اخلق بعوضا ما يستطيع. (( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها )) نعم؟ أو أكبر أو أقل ما يمكن يخلق. فما من مخلوق في السماء والأرض إلا الله خالقه لا خالق غيره ولا رب سواه. نعم وسبق أنه أشار رحمه الله إلى أن الدرجة الثانية تتضمن شيئين: المشيئة والخلق، المشيئة والخلق.
وأشار رحمه الله إلى الإرادة وذكرنا أن الإرادة تنقسم إلى قسمين : إرادة شرعية وإرادة كونية وأن الفرق بينهما من حيث المتعلق والموجب.
متعلق الإرادة الكونية ما وقع سواء كان محبوبا أم غير محبوب، متعلق الإرادة الشرعية ما أحب ما أحبه سواء كان واقعا أم غير واقع.
الموجب الإرادة الكونية يجب فيها وقوع المراد، والإرادة الشرعية اه؟ لا يجب فيها وقوع المراد.
وإلى هذا إذا قال لك قائل : هل أراد الله الشر؟ فقل : أما كونا فنعم، وأما شرعا فلا.