شرح قول المصنف : ويمسكون عما شجر بين الصحابة حفظ
الشيخ : قال : " ويمسكون عما شجر بين الصحابة " يعني : عما وقع بينهم من النزاع.
" عما شجر بين الصحابة ". الصحابة رضي الله عنهم وقع بينهم بعد مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه واشتد الأمر بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وقع بينهم ما وقع مما أدى إلى القتال. وهذه القضايا مشهورة معروفة. هذه القضايا التي وقعت ، وقعت بلا شك عن تأويل واجتهاد. كلٌّ منهم يظن أنه على حق. لا يمكن أن نقول : إن عائشة رضي الله عنها والزبير بن العوام قاتلا علياً وهم يعتقدون أنهم على باطل وأن عليًّا على حق. أليس كذلك؟ نحن هذا الذي نعتقده لأنهم لو اعتقدوا ذلك لكانوا يعتقدون أنهم يستحلون دماء المسلمين بغير حق وهذا مستحيل. فهم إنما قاتلوا يعتقدون أنهم على حق.
هل اعتقادهم أنهم على حق يستلزم أن يكونوا قد أصابوا الحق؟ لا. قد يخطئون وقد يصيبون.
ولكن إذا كانوا مخطئين، ونحن نعلم علم اليقين أنهم لن يقدموا على هذا الأمر إلا عن اجتهاد، فإنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن : ( من حكم فاجتهد فأصاب، فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد ) هذا بالنسبة للحكم عليهم نقول : هم مخطئون مجتهدون، فلهم أجر واحد على أننا لا نجزم بعين المخطئ جزما كما نجزم بوجود الشمس. لكننا يغلب على ظننا أن هذا أقرب الى الصواب من هذا وأن هذا هو المخطئ. ولكن مع ذلك نعلم علم اليقين أن هذا عن اجتهاد هو فيه معذور فله أجر. هذا بالنسبة له هو بنفسه. ثم على فرض أسوأ الفروض أنه أقدم على ذلك غير مجتهد ولا متأول فمن الذي يصنع عقوبة هذه؟ من؟ هم هم الذين يصنعون عقوبته يعني ما علينا منهم. هذا ... الذي حصل موقفنا نحن منه له جهتان :
الجهة الأولى : الحكم على الفاعل.
والجهة الثانية : موقفنا من الفاعل.
أما الحكم على الفاعل فعرفتموه وأن الذي ندين الله به أن ما جرى بينهم، فهو صادر عن اجتهاد. والاجتهاد إذا وقع فيه الخطأ فهو مغفور.
أما موقفنا نحن فالواجب علينا الإمساك. لماذا نتخذ من فعل هؤلاء مجالاً للسب والشتم والوقيعة فيهم والعداوة والبغضاء بيننا؟ لماذا؟ أليس هذا من السفه؟ أليس الذي يتخذ من ذلك مجالا لهذه الأمور أليس هذا من أكبر من يسيء إلى الإسلام؟ بلى والله إساءة إلى الإسلام والمسلمين أناس انتهوا وانقضوا وأمرهم إلى الله عز وجل وأجرهم وعقابهم عليه ليس لنا منه شيء. فمن الذي يجعلنا نحن الآن ننال منهم من أعراضهم ونسبهم ونشتمهم ونلعنهم ونحن في الحقيقة في فعلنا هذا في فعلنا هذا إما آثمون وإما سالمون ، إما آثمون وإما سالمون لسنا غانمين أبدا بسبنا إياهم. ليش؟ لأن إذا كان هذا الأمر كما قلنا صادر عن اجتهاد فإنا إذا سببناهم وقدحنا فيهم نكون آثمين. وإذا لم يكن عن اجتهاد فإننا سالمون إن صح أن نقول إننا سالمون لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا ). لكن على أحسن تقدير أن نقول إننا سالمون. أما أن نكون غانمين نتقرب إلى الله تعالى بسبهم وشتمهم والقدح فيهم ونجعل هذا مكتوبا في أورادنا الصباحية والمسائية فهذا غاية ما يكون من العدوان والسفه والضلال.
فالواجب علينا أيها الإخوة تجاه هذه الأمور أن نسكت عما جرى بين الصحابة والذي ينبغي لنا أيضا أن لا نطالع الأخبار في هذه الأمور أو التأريخ لأنك إذا قرأت في التاريخ مهما كنت بالاتزان والاستقامة لا بد أن يكون في قلبك شيء إذ أن التواريخ كما نشاهدها الآن في العصر الحاضر خاضعة للسياسة وإلا لا؟ التاريخ خاضع للسياسة يقدر يجعل من الإنسان الذي ليس بشيء يجعله شيئا كبيرا ويجعل من الشيء الكبير لا شيء. هذا التاريخ فخضوع التاريخ للسياسة معناه أنه إذا كانت السلطة لقوم فسوف يكون المدح والثناء لهم والقدح والشماتة في أعدائهم. وحينئذ نكون نحن الذين نصلى نارها و نتأثر بهذه بهذه التواريخ التي لا نستطيع أن نثبتها بالسند الصحيح. ولهذا أنا أرى أن مراجعة هذه الأشياء اللهم إلا إنسانا يريد أن يراجعها ليعرف ما فيها فيرد بها على من زاد أو نقص فهذا لا بأس به. فيكون مراجعتها للضرورة وإلا فالأولى الإعراض عنها كما أنه يجب أن نمسك عما شجر بينهم. أي نعم.
قال المؤلف رحمه الله : " ويمسكون عما شجر بين الصحابة ".