تفسير قوله تعالى:" فأراه الآية الكبرى. فكذب وعصى " وبيان آية موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم حفظ
(( فأراه الآية الكبرى )) أي: فذهب موسى عليه الصلاة والسلام وقال لفرعون ما أمره الله به (( هل لك إلى أن تزكى . وأهديك إلى ربك فتخشى )) ولما كان البشر لا يؤمنون ولا يقبلون دعوى شخص أنه رسول إلا بآية كما هو ظاهر أن الإنسان لا يقبل من أحد دعوى إلا ببينة جعل الله سبحانه وتعالى مع كل رسول آية تدل على صدقه، وهنا قال: (( فأراه الآية الكبرى )) يعني أرى موسى فرعون الآية الكبرى، فما هي هذه الآية؟ الآية أن معه عصاً من خشب من فروع الشجر كما هو معروف، فكان إذا وضعها في الأرض صارت حية تسعى ثم يحملها فتعود عصا، وهذا من آيات الله أن شيئاً جماداً إذا وضع على الأرض صار حية تسعى، وإذا حمل من الأرض عاد في الحال فوراً إلى حاله الأولى وهي أنه عصا من جملة العصيان (( فأراه الآية الكبرى )) ، وإنما بعثه عليه الصلاة والسلام بهذه الآية، وبكونه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء أي من غير عيب، أي: بيضاء بياضاً ليس بياض البرص ولكنه بياض جعله الله آية، إنما بعثه الله بذلك بالعصا واليد، لأنه كان في زمن موسى السحر منتشراً شائعاً فأرسله الله عز وجل بشيء يشبه السحر لكنه ليس بسحر حقيقة من أجل أن يغلب السحرة الذين تصدّوا لموسى عليه الصلاة والسلام. قال أهل العلم: وفي عهد عيسى صلى الله عليه وآله وسلم انتشر الطب انتشاراً عظيماً، فجاء عيسى بأمر يعجز الأطباء، وهو أنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ، إذا جيء إليه بشخص فيه عاهة أي عاهة تكون مسحه بيده ثم برأ بإذن الله (( يبرىء الأكمه والأبرص )) مع أن البرص لا دواء له لكن هو يبرىء الأبرص بإذن الله عز وجل، ويبرىء الأكمه الذي خلق بلا عيون يبرئه، وأشد من هذا وأعظم أنه يحيي الموتى بإذن الله، يؤتى إليه بالميت فيتكلم معه ثم تعود إليه الحياة، وأشد من ذلك وأبلغ أنه يخرج الموتى بإذن الله يخرجهم من أي مكان؟ من قبورهم، يقف على القبر وينادي صاحب القبر فيخرج من القبر حيًّا، هذا شيء لا يمكن لأي طب أن يبلغه، ولهذا كانت آية عيسى في هذا الوقت مناسبة تماماً لما كان عليه الناس. قال أهل العلم: أما رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أتى إلى العرب وهم يتفاخرون في الفصاحة، ويرون أن الفصاحة أعظم منقبة للإنسان فجاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بهذا القرآن العظيم الذي أعجز أمراء الفصاحة، وعجزوا عن أن يأتوا بمثله، قال الله تعالى: (( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً )) : يعني لو كان بعضهم يعاون بعضاً فإنهم لن يأتوا بمثله. حينئذ نقول إن موسى عليه الصلاة والسلام أرى فرعون الآية الكبرى ولكن هل انتفع بالآيات؟ لا، (( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون )) . (( إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب )) فالذين ليس في قلوبهم استعداد للهداية لا يهتدون ولو جاءتهم كل آية ـ والعياذ بالله ـ ولهذا قال: (( فكذب وعصى )) كذب الخبر، وعصى الأمر، يعني قال لموسى إنك لست رسولاً بل قال (( إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون )) . وعصى الأمر فلم يمتثل أمر موسى ولم ينقد لشرعه.