تفسير قوله تعالى:" بأيدي سفرةٍ. كرامٍ بررةٍ " حفظ
(( بأيدي سفرة )) السفرة الملائكة، وسموا سفرة لأنهم كتبة مأخوذة من السَّفَر أو من السَّفْرِ وهو الكتاب كقوله تعالى: (( كمثل الحمار يحمل أسفاراً )) . وقيل: السفرة الوسطاء بين الله وبين خلقه، من السفير وهو الواسطة بين الناس، ومنه حديث أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة قبل أن يحرم قال: " وكنت السفير بينهما " أي الواسطة. المهم أن السفرة هم الملائكة وسموا سفرة لأنهم كتبة يكتبون، وسموا سفرة لأنهم سفراء بين الله وبين الخلق، فجبريل عليه الصلاة والسلام واسطة بين الله وبين الخلق في النزول بالوحي، والكتبة الذين يكتبون ما يعمل الإنسان أيضاً يكتبونه ويبلغونه إلى الله عز وجل، والله تعالى عالم به حين كتابته وقبل كتابته. (( بأيدي سفرة .كرام بررة )) كرام في أخلاقهم. كرام في خلقتهم أيضاً لأنهم على أحسن خلقة، وعلى أحسن خُلق، ولهذا وصف الله الملائكة بأنهم كرام كاتبون يعلمون ما تفعلون، وأنهم عليهم الصلاة والسلام لا يستكبرون عن عبادة الله ولا يستحسرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون. هذه الآيات كما سمعتم فيها تأديب من الله عز وجل للخلق ألا يكون همهم هًّما شخصيًّا بل يكون همهم هًّما معنويًّا وألا يفضّلوا في الدعوة إلى الله شريفاً لشرفه، ولا عظيماً لعظمته، ولا قريباً لقربه، بل يكون الناس عندهم سواء في الدعوة إلى الله الفقير والغني، الكبير والصغير، القريب والبعيد، وفيها أيضاً تلطف الله عز وجل بمخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال في أولها: (( عبس وتولى. أن جاءه الأعمى )) ثلاث آيات لم يخاطب الله فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنها توبيخ شديد فلو وجهت إلى الرسول بالخطاب لكان فيه ما فيه لكن جاءت بالغيبة (( عبس )) وإلا لكان مقتضى الحال أن يقول: عبست وتوليت، أن جاءك الأعمى،وما يدريك لعله يزكى، ولكنه قال: (( عبس وتولى )) فجعل الحكم للغائب كراهية أن يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الكلمات الغليظة الشديدة، ولأجل ألا يقع بمثل ذلك من يقع من هذه الأمة، والله سبحانه وتعالى وصف كتابه العزيز بأنه بلسان عربي مبين، وهذا من بيانه. وفي الآيات أيضاً دليل على جواز لقب الإنسان بوصفه مثل الأعمى والأعرج والأعمش، وقد كان العلماء يفعلون هذا، فما أكثر ما يرد عليكم: الأعرج عن أبي هريرة، الأعمش عن ابن مسعود... وهكذا، قال أهل العلم واللقب بالعيب إذا كان المقصود به تعيين الشخص فلا بأس به، وأما إذا كان المقصود به تعيير الشخص فإنه حرام، لأن الأول ـ إذا كان المقصود به تبيين الشخص ـ تدعو الحاجة إليه، والثاني ـ إذا كان المقصود به التعيير ـ فإنه لا يقصد به التبيين وإنما يقصد به الشماتة وقد جاء في الأثر " لا تظهر الشماتة في أخيك فيعافيه الله ويبتليك "، والله نسأل العافية والسلامة في الدنيا والآخرة، وإلى هنا ينتهي بنا القول على ما يسر الله من آياته في هذه السورة. قوله تعالى: (( بأيدي سفرة . كرام بررة )).