تفسير قوله تعالى: " علمت نفسٌ ما أحضرت " حفظ
قال الله تعالى: (( علمت نفس ما أحضرت ))، أي ما قدمته من خير وشر (( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء )) . يعني يكون محضراً أيضاً (( تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه )). فتعلم في ذلك اليوم كل نفس ما أحضرت من خير أو شر، في الدنيا نعلم ما نعمل من خير وشر لكن سرعان ما ننسى. من يتذكر الآن ما عمله مما سبق منذ جرى عليه قلم التكليف ؟ إنا نسينا الشيء الكثير لا من الطاعات ولا من المعاصي، ولكن هل تظنون أن هذا يذهب سدى كما نسيناه؟ لا والله، بل والله هو باق، فإذا كان يوم القيامة أحضرته أنت بإقرارك على نفسك بأنك عملته، ولهذا قال تعالى: (( علمت نفس ما أحضرت )) فينبغي بل يجب على الإنسان أن يتأمل في هذه الآيات العظيمة وأن يتعظ بما فيها من المواعظ، وأن يؤمن بها كأنه يراها رأي عين، لأن ما أخبر الله به وعلمنا مدلوله فإنه أشد يقيناً عندنا مما شاهدناه بأعيننا أو سمعناه بأذاننا، لأن خبر الله لا يكذب، صدق، لكن ما نراه أو نسمعه كثيراً ما يقع فيه الوهم. قد ترى الشيء البعيد شبحاً تعينه بتصورك وهو خلاف الواقع، وقد تسمع الصوت فتظنه شيئاً معيناً في ذهنك وهو خلاف الواقع، فالوهم يرد على الحواس لكن خبر الله عز وجل إذا علم مدلوله لا يمكن أبداً أن يرد عليه شيء من الوهم لأنه خبر صدق، فهذه الأمور التي ذكرها الله في هذه الآيات أمور حقيقية يجب أن تؤمن بها كأنك تراها رأي عين، ثم بعد الإيمان بها يجب أن تعمل بمقتضى ما تدل عليه من الاتعاظ والانزجار والقيام بالواجب وترك المنهيات حتى تكون من أهل القرآن الذين يتلونه حق تلاوته - جعلني الله وإياكم منهم بمنه وكرمه إنه على كل شيء قدير -.