تفسير قوله تعالى: " ذي قوةٍ عند ذي العرش مكينٍ " حفظ
(( ذي قوة عند ذي العرش مكين )) (( ذي قوة )) وصفه الله تعالى بالقوة العظيمة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلّم رآه على صورته التي خلقه الله عليها له ست مئة جناح قد سدّ الأفق كله من عظمته عليه الصلاة والسلام، وقوله: (( عند ذي العرش )) أي عند صاحب العرش وهو الله جل وعلا، والعرش فوق كل شيء، وفوق العرش رب العالمين عز وجل. قال الله تعالى: (( رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده )) . فذو العرش هو الله. وقوله: (( مكين )) أي ذو مكانة، أي أن جبريل عند الله ذو مكانة وشرف، ولهذا خصه الله بأكبر النعم التي أنزلها الله على عباده، وهو الوحي فإن النعم يا إخواني لو نظرنا إليها لوجدنا أنها قسمان: نِعَم يستوي فيها البهائم والإنسان، وهي متعة البدن: الأكل والشرب، والنكاح والسكن، هذه النعم يستوي فيها الإنسان والحيوان، أليس كذلك؟ فالإنسان يتمتع بما يأكل، وبما يشرب، وبما ينكح، وبما يسكن، والبهائم كذلك. ونِعمٌ أخرى يختص بها الإنسان، وهي الشرائع، الشرائع التي أنزلها الله على الرسل لتستقيم حياة الخلق، لأنه لا يمكن أن تستقيم حياة الخلق أو تطيب حياة الخلق إلا بالشرائع (( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) . فالمؤمن العامل بالصالحات هو الذي له الحياة الطيبة في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة. والله لو فتشت الملوك وأبناء الملوك، والوزراء وأبناء الوزراء، والأمراء وأبناء الأمراء، والأغنياء وأبناء الأغنياء، لو فتشتهم وفتشت من آمن وعمل صالحاً لوجدت الثاني ، أطيب عيشة، وأنعم بالاً، وأشرح صدراً، لأن الله عز وجل الذي بيده مقاليد السموات والأرض تكفل. قال: (( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )) تجد المؤمن العامل للصالحات مسرور القلب، منشرح الصدر، راضياً بقضاء الله وقدره، إن أصابه خير شكر الله على ذلك، وإن أصابه ضده صبر على ذلك واعتذر إلى الله مما صنع، وعلم أنه إنما أصابه بذنوبه فرجع إلى الله عز وجل، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( عجباً للمؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضَّراء صبر ، فكان خيراً له، وإن أصابته سَّراء شكر فكان خيراً له )، وصدق النبي عليه الصلاة والسلام، إذن أكبر نعمة أنزلها الله على الخلق هي نعمة الدين الذي به قوام حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، وأنا أسألكم الآن ما هي الحياة؟ هل هي الحياة الدنيا أو الحياة الآخرة؟ الحياة الآخرة، والدليل قوله تعالى في سورة الفجر: (( يقول يا ليتني )) أتموا الآية (( قدمت لحياتي )). فالدنيا ليست بشيء. الحياة حقيقة حياة الآخرة، والذي يعمل للآخرة يحيا حياة طيبة في الدنيا، كما تلوت عليكم الآية، فصار الآن المؤمن العامل للصالحات هو الذي كسب الحياتين: حياة الدنيا، وحياة الآخرة. والكافر هو الذي خسر الدنيا والآخرة (( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين )) . يقول الله عز وجل: (( ذي قوة عند ذي العرش مكين )) .