تفسير قوله تعالى:"يا أيها الأنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه " ذكر قصة الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه، وذكر قصة أصحاب الكهف حفظ
ثم قال عز وجل: (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً )) الكادح: هو الساعي بجد ونوع مشقة وقوله: (( إلى ربك )) يعني أنك تكدح كدحاً يوصلك إلى ربك، كدحاً يوصل إلى الله، يعني أن منتهى كدحك مهما كنت ينتهي إلى، إلى من؟ إلى الله، لأننا سنموت وإذا متنا رجعنا إلى الله عز وجل، فمهما عملت فإن المنتهى هو الله عز وجل (( وأن إلى ربك المنتهى )). ولهذا قال: (( كادح إلى ربك كدحاً )) حتى العاصي كادح كادحًا غايته الله عز وجل (( إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم )). لكن الفرق بين المطيع والعاصي: أن المطيع يعمل عملاً يرضاه الله، يصل به إلى مرضاة الله يوم القيامة، والعاصي يعمل عملاً يغضب الله، لكن مع ذلك ينتهي إلى الله عز وجل إذاً قوله: (( يا أيها الإنسان )) يعم كل إنسان مؤمن وكافر (( إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه )) الفاء يقول النحويون: إنها تدل على الترتيب والتعقيب، يعني، فأنت ملاقيه عن بعد أو عن قرب؟ عن قرب (( إن ما توعدون لآت )) . وكل آت قريب (( وما يدريك لعل الساعة قريب )). وإذا شئت أن يتبين لك أن ملاقاة الرب عز وجل قريبة إذا شئت أن يتبين لك انظر ما مضى من عمرك الآن، لو مضى لك مئة سنة كأنما هذه السنة أيش؟ ساعة واحدة. كل الذي مضى من أعمارنا كأنه ساعة واحدة. إذاً هو قريب، ثم إذا مات الإنسان، هل تظنون أن البرزخ الذي بين الحياة الدنيا والآخرة هل تظنونه طويلاً؟ هو قريب، قريب كاللحظة، الإنسان إذا نام نوماً هادئاً ولنقل نام أربعاً وعشرين ساعة، وقام إيش يقدر النوم هذا ،إيش؟ أكيد بدقيقة واحدة مع أنه نام أربعاً وعشرين ساعة، فإذا كان هذا في مفارقة الروح في الحياة يمضي الوقت بهذه السرعة، فما بالك إذا كانت الروح بعد خروجها من البدن مشغولة إما بنعيم أو جحيم، ستمر ملايين السنين على الإنسان وهو كأنه لا شيء، لأن امتداد الزمن في حال يقظتنا ليس كامتداد الزمن في حال نومنا، أليس كذلك؟ توافقوني على هذا؟ فالإنسان المستيقظ من طلوع الشمس إلى زوال الشمس مسافة يحس بأن الوقت طويل، لكن لو كان نائماً؟ نعم، ما كأنها شيء، والذي أماته الله مئة عام ثم بعثه (( قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم )). وأصحاب الكهف لبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وتسع سنين، فلما بُعثوا قال بعضهم لبعض: كم لبثتم؟ قالوا: (( لبثنا يوماً أو بعض يوم ))، وهذا يدل على أن الإنسان يتعجب كيف تذهب السنوات على هؤلاء الأموات؟ نقول نعم، هذه ملايين السنين لكن ما كأنها إلا دقيقة واحدة، يعني حال الإنسان بعد أن تفارق الروح بدنه سواء كانت مفارقة كلية أو جزئية غير حاله إذا كانت الروح في البدن، فإذا كانت الروح في البدن يعاني من المشقة والمشاكل والهواجيس والوساوس أشياء تطيل عليه الزمن، لكن حال النوم يتقلص الزمن كثيراً، في الموت يتقلص أكثر وأكثر، فهؤلاء الذين ماتوا منذ ملايين السنين أو آلاف السنين، كأنهم لم يموتوا إلا اليوم لو بعثوا لقيل لهم كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، وهذه مسألة قد يرد على الإنسان فيها إشكال، ولكن لا إشكال في الموضوع مهما طالت المدة بأهل القبور فإنها قصيرة، ولهذا قال: (( فملاقيه )) أتى بالفاء الدالة على إيش؟ الترتيب والتعقيب، وما أسرع أن تلاقي الله عز وجل.