تفسير قوله تعالى:" فما لهم لا يؤمنون. وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون " " حفظ
ثم قال تعالى: (( فما لهم لا يؤمنون. وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون )): (( ما لهم )) أي شيء يمنعهم من الإيمان؟ وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله، أي شيء يمنعهم من الإيمان؟ وأي شيء يضرهم إذا آمنوا، قال مؤمن آل فرعون: (( أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم فإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم )). فأي شيء على الإنسان إذا آمن؟ ولهذا قال موبخاً لهم: (( فما لهم لا يؤمنون. وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون )) أي لا يخضعون لله عز وجل فالسجود هنا بمعنى الخضوع لله، وإن لم تسجد على الأرض لكن يسجد قلبك لله ذلاً وخضوعاً إذا سمعت آياته جرّب نفسك يا أخي إذا تلي عليك القرآن هل قلبك يسجد ويلين ويذل؟ إن كان الأمر كذلك فأنت من المؤمنين (( إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً )) . وإن لم يكن قلبك كذلك ففيك شبهٌ من المشركين الذين إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون، ومن علامات الخضوع لله عز وجل عند قراءة القرآن أن الإنسان إذا قرأ آية سجدة سجد لله ذلاً له وخضوعاً له، وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب السجود أي سجود التلاوة. وقال: إن الإنسان إذا مر بآية سجدة ولم يسجد كان آثماً. والصحيح: أنها ليست بواجبة وإن كان هذا القول أعني القول بالوجوب هو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لكن هذا قول مرجوح، وذلك أنه ثبت في الصحيح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه خطب الناس يوماً فقرأ سورة النحل فلما وصل آية السجدة نزل من المنبر فسجد، ثم قرأها من الجمعة الثانية فمر بها ولم يسجد فقال رضي الله عنه: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم يُنكر عليه أحد. وسنته رضي الله عنه من السنن التي أُمرنا باتّباعها، وعلى هذا فالقول الراجح أن سجود التلاوة ليس بواجب، لكنه سنة مؤكدة، فإذا مررت بآية سجدة فاسجد في أي وقت كنت في الصباح، في المساء، في الليل، في النهار، تكبر عند السجود، وإذا رفعت فلا تكبر ولا تسلم هذا إذا سجدت خارج الصلاة، أما إن سجدت في الصلاة فلابد أن تكبر إذا سجدت، وأن تكبر إذا نهضت، لأنها لما كانت في الصلاة كان لها حكم السجود في الصلاة. قال الله تعالى: (( بل الذين كفروا يكذبون. والله أعلم بما يوعون . فبشرهم بعذاب أليم . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون )) لما ذكر سبحانه وتعالى أنهم إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون بيّن سبحانه وتعالى أن سبب تركهم السجود هو تكذيبهم بما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، لأن كل من كان إيمانه صادقاً فلا بد أن يمتثل الأمر، وأن يجتنب النهي، لأن الإيمان الصادق يحمل صاحبه على ذلك، ولا تجد شخصاً ينتهك المحارم أو يترك الواجبات إلا بسبب ضعف إيمانه، ولهذا كان الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو التصديق المستلزم للقبول والإذعان، فمتى رأيت الرجل يترك الواجبات، أو بعضاً منها، أو يفعل المحرمات فاعلم أن إيمانه ضعيف إذ لو كان إيمانه قوياً ما أضاع الواجبات ولا انتهك المحظورات،