الكلام على اسم الله الحميد، وبيان خطأ قول الناس: الحمد لله الذي لا يحمد على المكروه سواه، وبيان ما يشرع قوله في السراء والضراء حفظ
وقوله: (( الحميد )) بمعنى المحمود فالله سبحانه وتعالى محمود على كل حال وكان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا جاءه ما يُسر به قال: ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ) ، وإذا جاءه خلاف ذلك قال: ( الحمد لله على كل حال )، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يقول عند المكروه ( الحمد لله على كل حال ) أما ما نسمعه من بعض الناس يقول: " الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه " فهذا خلاف ما جاءت به السنة ، بل قل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( الحمد لله على كل حال ) أما أن تقول: " الذي لا يحمد على مكروه سواه " فكأنك الآن تعلن أنك كاره ما قدر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يرضى الإنسان بما قدر الله عليه مما يسوؤه أو يُسره، لأن الذي قدره عليك من؟ الله عز وجل هو ربك وأنت عبده، هو مالكك وأنت مملوك له، فإذا كان الله هو الذي قدر عليك ما تكره فلا تجزع، يجب عليك الرضا والصبر وألا تتسخط لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك، اصبر وتحمل والأمر سيزول ودوام الحال من المحال، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً )، فقوله جل وعلى (( الحميد ))، ما معنى (( الحميد ))؟ أجيبوني؟ المحمود على كل حال في سراء أو ضراء لأنه قدر السراء فهو ابتلاء وامتحان، قال الله تعالى: (( ونبلوكم بالشر والخير فتنة )). ولما رأى سليمان عرش بلقيس بين يديه قال: (( هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر )). فأنت يا أخي إذا أصبت بالنعمة لا تأخذها على أنها نعمة فتمرح وتفرح، هي نعمة لا شك لكن اعلم أنك ممتحن بها هل تؤدي شكرها أو لا تؤدي، إن أصابتك ضراء فاصبر فإن ذلك أيضاً ابتلاء وامتحان من الله عز وجل ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر، وإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله فإن الله يقول: (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) ويجوز أن يكون معنى قوله: (( الحميد )) أن يكون له معنىً آخر وهو الحامد، فإنه سبحانه وتعالى يحمد من يستحق الحمد، يثني على عباده من المرسلين والأنبياء والصالحين، والثناء عليهم حمدٌ لهم، فهو جل وعلا حامد، وهو كذلك محمود، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها، لأنه لولا أن الله يسر لك هذه الأكلة والشربة ما حصلت عليها، قال الله تبارك وتعالى: (( أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون )) ؟ أجب على هذا السؤال، الله يسألنا أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون؟ وما الجواب؟ الجواب: بل أنت يا رب (( لو نشاء لجعلناه حطاماً )) بعد أن يخرج وتتعلق به النفوس يجعله الله حطاماً، ولم يقل الله عز وجل لو نشاء لم ننبته لأن كونه ينبت وتتعلق به النفس ثم يكون حطاماً أشد وقعاً على النفس من كونه لا ينبت أصلاً (( لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون . إنا لمغرمون . بل نحن محرومون )) ثم جاء للشرب فقال: (( أفرأيتم الماء الذي تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون )) الجواب: بل أنت يا ربنا (( لو نشاء لجعلناه أجاجاً )) أي مالحاً غير عذب لا يستطيع الإنسان أن يشربه (( فلولا تشكرون )) يعني فهلا تشكرون الله على ذلك، وهنا لم يقل لو نشاء لم ننزله من المزن، لأن كونه ينزل ولكن لا يشرب لا يطاق أشد من كونه لم ينزل أصلاً فتأملوا يا أهل القرآن الكريم تجدون فيه من الأسرار والحكم الشيء الكثير. (( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) .