ذكر شروط قبول التوبة وهي خمسة: حفظ
وفي الآية إشارة إلى أن التوبة تهدم ما قبلها، ولكن يا إخواني لابد أن نعلم أن التوبة لا تكون توبة نصوحاً مقبولة عند الله إلا إذا اشتملت على شروط خمسة: الأول: الإخلاص لله عز وجل بأن يكون الحامل للإنسان على التوبة خوف الله عز وجل ورجاء ثوابه، لأن الإنسان قد يتوب من الذنب من أجل أن يمدحه الناس، أو من أجل دفع مذمة الناس له، أو من أجل مرتبة يصل إليها، أو من أجل مال يحصل عليه، كل هؤلاء لا تقبل توبتهم، لماذا؟ لأن التوبة يجب أن تكون خالصة، خالصة لله عز وجل، وأما من أراد بعمله الدنيا فإن الله تعالى يقول في كتابه: (( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار )). الثاني: من شروط كون التوبة نصوحاً: الندم، الندم على ما حصل من الذنب بمعنى ألا يكون الإنسان كأنه لم يذنب، لا يتحسر ولا يحزن، لابد أن يندم، إذا ذكر عظمة الله ندم، كيف أعصي ربي وهو الذي خلقني ورزقني وهداني، فيندم، كما لو عصى الإنسان أباه فإنه يندم. الثالث: أن يقلع عن الذنب فلا تصح التوبة مع الإصرار على الذنب، لأن التائب هو الراجع، فإذا كان الإنسان يقول: أستغفر الله وأتوب إليه من أكل الربا، ولكنه لا يزال يرابي فهل تصح توبته؟ لا تصح توبته، لو قال: أستغفر الله من الغيبة، والغيبة ذكرك أخاك بما يكره ولكنه في كل مجلس يغتاب الناس فهل تصح توبته لا ، كيف تصح وهو مصر على المعصية، فلابد أن يقلع، إذا تاب من أكل أموال الناس وقد سرق من هذا، وأخذ مال هذا بخداع وغش فهل تصح توبته،لا حتى يرده، حتى يرد ما أخذ من أموال الناس إلى الناس، لو فرضنا أن شخصاً أدخل مراسيمه في ملك جاره واقتطع جزءًا من أرضه وقال إني تائب، ماذا نقول له؟ نقول له: رد المراسيم إلى حدودها الأولى وإلا فإن توبتك لا تقبل، لأنه لابد من الإقلاع عن الذنب الذي تاب منه. والشرط الرابع: أن يعزم عزماً تاماً ألا يعود إلى الذنب، فإن تاب وهو في نفسه لو حصل له الفرصة لعاد إلى الذنب فإن توبته لا تقبل، بل لابد أن يعزم عزماً أكيداً على ألا يعود. والشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة، لأنه يأتي أوقات ما تقبل فيها التوبة، انتبهوا لهذا الشريط الأخير ، تأتي أوقات لا تقبل توبة الإنسان، وذلك في حالين: الحال الأولى: إذا حضره الموت فإن توبته لا تقبل لقول الله تبارك وتعالى: (( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن )). بعدما عاين الموت وشاهد العذاب يقول تبت فلا ينفع هذا، ومثال واقع لهذه المسألة وهو أن فرعون لما أدركه الغرق ماذا قال؟ (( قال آمنت بالذي آمنت به بنوا إسرائيل )) يعني بالله ولم يقل آمنت بالله إذلالاً لنفسه حيث كان يحارب بني إسرائيل على الإيمان بالله، والآن يقول آمنت بالذي آمنوا به فكأنه جعل نفسه تابعاً لمن؟ لبني إسرائيل إلى هذا الحد بلغ به الذل ومع ذلك قيل له (( آلآن )) تتوب، آلآن تؤمن بالذي آمنت به بنوا إسرائيل (( وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين )) . إذاً إذا حضر الموت فإن التوبة لا تقبل، وأنا أسأل كل واحد منكم الآن هل يعلم متى يحضره الموت؟ ها؟ لا، إذن فلابد من المبادرة بالتوبة لأنك لا تدري في أي وقت يحضرك الموت، ألم تعلموا أن من الناس من نام على فراشه في صحة وعافية ثم حمل من فراشه إلى سرير غسله؟! لأجل التغسيل، اعلموا هذا، ألم تعلموا أن بعض الناس جلس على كرسي العمل يعمل ثم حمل من كرسي العمل إلى سرير الغسل؟! الغسيل، كل هذا واقع، إذا يجب أن نبادر بالتوبة، المبادرة بها نسأل الله أن يعينني وإياكم على ذلك، بادروا بالتوبة قبل أن تغلق الأبواب بادروا. يقول الله عز وجل: )) ثم لم يتوبوا ((، قلنا إنها التوبة لا تقبل في حالين: الحالة الأولى: هي معاينة الموت. والحالة الثانية: هي إذا طلعت الشمس من مغربها، فإن الشمس إذا طلعت من مغربها ورآها الناس آمنوا لكن الله يقول: (( لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً )) .فشروط قبول التوبة خمسة - نسأل الله أن يعينني وإياكم على تحقيقها -.