تفسير قوله تعالى:" هل أتاك حديث الجنود " حفظ
ثم قال عز وجل: (( هل أتاك حديث الجنود )) وهذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو لكل من يصح أن يتوجه إليه الخطاب، والاستفهام للتنبيه، لأن الشيء إذا جاء باستفهام انتبه له الإنسان أكثر، والله عز وجل يقول: (( هل أتاك حديث الجنود )) الجنود جمع جند وهو هنا مبهم لكنه فسره بقوله:(( فرعون وثمود )): يعني هل أتاك خبرهم؟ الجواب: نعم، أتانا خبرهم، قص الله سبحانه وتعالى علينا من نبأ فرعون وقص علينا من نبأ ثمود ما فيه العبرة لمن كان قلبه حي أو ألقى السمع وهو شهيد، فقصة فرعون، ذكرها الله في آيات كثيرة في القرآن الكريم، وفي سور متعددة، وذلك لأن قصة فرعون مقدمة بين يدي رسالة موسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وموسى كما هو معروف للناس مبعوث إلى اليهود، إلى بني إسرائيل، فكأن الله سبحانه وتعالى يقص من نبأ موسى ما لم يقص من نبأ غيره، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سوف يكون مهاجره إلى المدينة والمدينة فيها ثلاث قبائل من اليهود، ساكنة فيها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من نبأهم الشيء الكثير من أجل أن يكون على استعداد لمناظرتهم ومجادلتهم بالحق، حتى لا يخفى عليه من أمرهم شيء، فرعون ملك مصر، وهل هو علم شخص أو علم وصف؟ بمعنى: هل إن فرعون اسم للجبار العنيد الذي بعث إليه موسى أم أنه وصف لكل من ملك مصر وهو كافر؟ يعني : هل هو علم واحد أو علم شخص؟ من العلماء من يقول إنه علم شخص، يعني أن الرجل الذي أرسل إليه موسى وهو الجبار العنيد يسمى فرعون، ومنهم من قال إنه علم وصف لكل من ملك مصر كافراً كما يقال كسرى لكل من ملك الفرس، وهرقل لكل من ملك الروم، والنجاشي لكل من ملك الحبشة، وما أشبه ذلك يعني الاختلاف في هذا ليس بذاك المهم، المهم أن فرعون شخص معروف، كان جباراً عنيداً متكبراً ادّعى أنه الرب، ويستهزئ بموسى وبما جاء به من الآيات، ويتحداه ويقول له صراحة وجهاً لوجه (( إني لأظنك يا موسى مسحوراً ))، ويفتخر يقول لقومه: (( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون. أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين. فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ))، وماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن كفر به أخص الناس بكيده وهم السحرة، فإن السحرة لما جمعوا كل ما عندهم من السحر وجاءوا لمقابلة موسى عليه الصلاة والسلام، حيث أن موسى أتى بآية تشبه السحر ولكنها ليست بسحر بل هي آية من آيات الله، وهي أنه يضع العصا التي بيده عصا من خشب فإذا وضعه في الأرض صار حية تسعى، وهذا يشبه السحر، فجُمع السحرة كلهم، أكبر السحرة وأحذقهم بالسحر جمعوا، جمعوا في وقت حدده موسى، حيث قال له فرعون: (( اجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى )) يعني مكاناً مستوياً منبسطاً حتى يشاهد الناس ما يشاهدون من السحر، وأما السحرة فقال لهم موعدكم يوم الزينة، ويوم الزينة يوم عيدهم، هو يوم العيد كما تعلمون يكثر تجمع الناس ويهني بعضهم بعضاً بالأعياد، اجتمعوا وواعدهم موسى يوم الزينة، وحشر الناس، ومتى حشروا؟ لم يحشروا بالليل، أو بآخر النهار، أو بأول النهار، حشروا ضحىً في رابعة النهار، ولما حشروا ألقى السحرة كل ما يملكونه من كيد وسحر، فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوجس في نفسه خيفة موسى، لأنه شاهد شيئاً عظيماً، فأوحى الله إليه أن يلقي العصا، فألقى العصا فإذا هي تلقف ما يأفكون، حينئذ علم السحرة أن موسى صادق وأنه ليس بساحر، لأنه لو كان ساحراً ما غلبهم بسحره، فآمنوا وكفروا بفرعون، وقالوا: آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون، وتحدوا فرعون، وفي النهاية نهاية فرعون أغرقه الله عز وجل بالماء الذي كان يفتخر به بالأمس، كان يقول: هذه الأنهار تجري من تحتي، والأنهار المياه فأهلكه الله بجنس ما كان يفتخر به . أما ثمود فإن ثمود ءاتاهم الله تعالى قدرة وقوة وأترفهم حتى كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين، ويتخذون من السهول قصوراً، وكان لهم قوة وصرامة، فأهلكوا حين كذّبوا نبيهم صالحاً صلى الله عليه وسلم، أهلكوا برجفة وصيحة، صيح بهم فارتجفت بهم الأرض فهلكوا عن آخرهم، وأصبحوا في دارهم جاثمين -والعياذ بالله- ،