تفسير قوله تعالى:" بل الذين كفروا في تكذيبٍ " حفظ
ثم قال تعالى: (( بل الذين كفروا في تكذيب ))، هذا استطراد أي انتقال من موضوع لآخر، والذين كفروا يعني بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في تكذيب : في للظرفية، كأن هؤلاء منغمسون في التكذيب، والتكذيب محيط بهم من كل جانب، وهذا أبلغ من قوله (( بل الذين كفروا يكذبون )) في هذا الموضع (( وبل الذين كفروا يكذبون )) في موضع آخر، تكون أبلغ، لأن القرآن الكريم قد يأتي بكلمتين مختلفتين في موضعين وتكون كل واحدة في موضعها أبلغ من الأخرى، لأن القرآن مشتمل على غاية البلاغة.(( بل الذين كفروا في تكذيب )) . (( والله من ورائهم محيط )): والله تعالى من ورائهم محيط أي: غالبهم ومحيط بهم ومهما فروا فإن الله تعالى مدركهم لا محالة، فهو محيط بهم علماً وقدرةً وسلطاناً، لن يفلتوا من الله تعالى إذا أراد بهم سوءاًكما قال تعالى: (( ولو أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما له من دونه من وال )). ثم قال تعالى: (( بل هو قرآن مجيد. في لوح محفوظ )): ونتكلم عليه إن شاء الله في اللقاء القادم لأنه مهم، ونذكر المناسبة بين الختم لهذه السورة بهذه الآيتين وبين ابتدائها بالسماء ذات البروج وما ذكر فيها من العبر و القصص، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته إنه على كل شيء قدير.(( بل الذين كفروا في تكذيب . والله من ورائهم محيط )): الذين كفروا يشمل كل من كفر بالله ورسوله سواء كان من المشركين، أو من اليهود، أو النصارى أو غيرهم، وذلك لأن اليهود والنصارى الآن وبعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلّم ليسوا على دين ولا تنفعهم أديانهم لأنه ـ أي النبي صلى الله عليه وسلّم ـ خاتم الأنبياء فمن لم يؤمن به فليس على شيء من دينه، بل إنه سبق لنا أن من لم يؤمن برسول واحد من الرسل فهو كافر بجميع الرسل، يعني مثلاً من لم يؤمن بنوح أنه رسول ولو آمن بغيره من الأنبياء فإنه مكذب لجميع الأنبياء، والدليل على هذا قوله تعالى: (( كذبت قوم نوح المرسلين )) ، فبين الله أن هؤلاء كذبوا جميع الرسل مع أنهم لم يكذبوا إلا رسولاً واحداً، إذ أنه ليس رسول، فهذا الذي كذب محمداً صلى الله عليه وسلم هو مكذّب لغيره من الرسل، فإذا ادعت اليهود أنهم على دين وأنهم يتبعون التوراة التي جاء بها موسى نقول لهم: أنتم كافرون بموسى كافرون بالتوراة، وإذا ادعت النصارى الذين يسمون أنفسهم اليوم " بالمسيحيين " أنهم مؤمنون بعيسى قلنا لهم: كذبتم أنتم كافرون بعيسى، لأنكم كافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام، والعجب أن هؤلاء اليهود والنصارى يكفرون بمحمد عليه الصلاة والسلام مع أنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، لكن العناد والكبرياء والحسد منعهم أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام (( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق )). فالحاصل أن قوله تعالى: (( بل الذين كفروا )) يشمل كل من كفر بمحمد حتى من اليهود والنصارى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يعني أمة الدعوة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار )، كل الكفار في تكذيب وقال: (( في تكذيب )) فجعل التكذيب كالظرف لهم يعني : أنه محيط بهم من كل جانب - والعياذ بالله-. (( بل الذين كفروا في تكذيب .