تفسير قوله تعالى:" سبح اسم ربك الأعلى " بيان أقسام الخطاب الموجه لرسول الله في القرآن حفظ
يقول الله تعالى : (( سبح اسم ربك الأعلى )) الخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والخطاب الموجه للرسول في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يقوم الدليل على أنه خاص به فيختص به.الثاني: أن يقوم الدليل على أنه عام فيعم. الثالث: أن لا يدل دليل على هذا ولا على هذا، فيكون خاصًّا به لفظاً، عامًّا له وللأمة حكماً. مثال الأول: قوله تبارك وتعالى: (( ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك )) .ومثاله أيضاً قوله تعالى: (( وأرسلناك للناس رسولاً )). فإن هذا من المعلوم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومثال الثاني الموجه للرسول عليه الصلاة والسلام، وفيه قرينة تدل على العموم: قوله تعالى: (( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن )). فوجه الخطاب أولاً للرسول عليه الصلاة والسلام،(( يا أيها النبي )) ولم يقل " يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم " قال: (( يا أيها النبي إذا طلقتم ))، ولم يقل: " يا أيها النبي إذا طلقت " قال: (( يا أيها النبي إذا طلقتم )) فدل هذا على أن الخطاب الموجه للرسول عليه الصلاة والسلام موجه له وللأمة. وأما أمثلة الثالث: فهي كثيرة جداً يوجه الله الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، والمراد الخطاب له لفظاً وللعموم حكماً. هنا يقول الله عز وجل: (( سبح اسم ربك الأعلى )) (( سبح )) يعني نزه الله عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته، فإن التسبيح يعني التنزيه، إذا قلت: سبحان الله، يعني أنني أنزه الله عن كل سوء، عن كل عيب، عن كل نقص، ولهذا كان من أسماء الله تعالى " السلام، القدوس " لأنه متنزه عن كل عيب. ونحن نضرب لكم أمثلة: من صفات الله تعالى: الحياة ، هل في حياته نقص؟ لا ، وحياة المخلوق فيها نقص، أولاً: لأنها مسبوقة بالعدم فالإنسان ليس أزلياً. وثانياً: أنها ملحوقة بالفناء (( كل من عليها فان )). السمع، سمع الله عز وجل ليس فيه نقص يسمع كل شيء، حتى إن المرأة التي جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم والتي ذكر الله تعالى قصتها في سورة المجادلة، كانت تُحدث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعائشة في الحجرة يخفى عليها بعض حديثها، والله تعالى يقول في كتابه: (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها )). ولهذا قالت عائشة: " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات "، إن المرأة المجادلة لتشتكي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنه ليخفى علي بعض حديثها. إذن معنى (( سبح )) سبحان الله معناها أيش أنزه الله عن كل عيب ونقص. وقوله: (( اسم ربك الأعلى )) قال بعض المفسرين: إن قوله (( اسم ربك )) يعني مسمى ربك، لأن التسبيح ليس للاسم بل لله نفسه، ولكن الصحيح أن معناها: سبح ربك ذاكراً اسمه، يعني لا تسبحه بالقلب فقط بل سبحه بالقلب واللسان، وذلك بذكر اسمه تعالى، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: (( فسبح باسم ربك العظيم )). يعني سبح تسبيحاً مقروناً بالاسم، وذلك لأن تسبيح الله تعالى قد يكون بالقلب، بالعقيدة، وقد يكون باللسان، وقد يكون بهما جميعاً، والمقصود أن يسبح بهما جميعاً بقلبه لافظاً بلسانه. وقوله (( ربك )) الرب معناه الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، فالله تعالى هو الخالق، وهو المالك، وهو المدبر لجميع الأمور، وهل المشركون يقرون بذلك؟ الجواب نعم يقرون بذلك (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله )). (( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله )). وأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم إذا سئلوا (( أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله}. فهم يقرون بأن الله له الملك، وله التدبير، وله الخلق، لكن يعبدون معه غيره، وهذا من الجهل، كيف تقر بأن الله وحده هو الخالق، المالك، المدبر للأمور كلها وتعبد معه غيره!! إذن معنى الرب هو الخالق، المالك، المدبر لجميع الأمور، وكل إنسان يقر بذلك يلزمه أن لا يعبد إلا الله، كما تدل عليه الايات الكثيرة: (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم )). قال: (( اعبدوا ربكم الذي خلقكم )) يعني لا تعبدون غيره. (( سبح اسم ربك الأعلى )) الأعلى : من العلو، وعلو الله عز وجل نوعان: علو صفة، وعلو ذات، أما علو الصفة: فإن أكمل الصفات لله عز وجل، قال تعالى: (( ولله المثل الأعلى )).
وأما علو الذات: فهو أن الله تعالى فوق عباده مستو على عرشه، والإنسان إذا قال: يا الله أين يتجه؟ يتجه إلى السماء إلى فوق، فالله جل وعلا فوق كل شيء مستو على عرشه. إذن (( الأعلى )) إذا قرأتها فاستشعر بنفسك أن الله عال بصفاته، وعال بذاته، ولهذا كان الإنسان إذا سجد يقول: سبحان ربي الأعلى، يتذكر بسفوله هو، لأنه هو الآن نزل فأنزل شيء هو هذا، فأشرف ما في الإنسان وأعلى ما في الإنسان هو وجهه ومع ذلك ينزله يجعله في الأرض التي تداس بالأقدام، فكان من الحكمة أن تقول: سبحان ربي الأعلى، يعني أنزه ربي الذي هو فوق كل شيء، لأني نزلت أنا أسفل كل شيء، فتسبح الله الأعلى بصفاته، والأعلى بذاته، وتشعر عندما تقول: سبحان ربي الأعلى، أن ربك تعالى فوق كل شيء، وأنه أكمل كل شيء في الصفات.