تفسير قوله تعالى:" الذي خلق فسوى " حفظ
ثم قال: (( الذي خلق فسوى )) (( خلق )) يعني أوجد من العدم، كل المخلوقات أوجدها الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى: (( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له (( سبحان الله ،الله يقول له )) يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا (( اسكتوا )) إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه(( . والله مثل عظيم، كل الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً، ولو اجتمعوا له، لو يجتمع جميع الآلهة التي تعبد من دون الله وجميع السلاطين وجميع الرؤساء وجميع المهندسين على أن يخلقوا ذباباً واحداً ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، و الآن ونحن في هذا العصر وقد تقدمت الصناعة هذا التقدم الهائل لو اجتمع كل هؤلاء الخلق أن يخلقوا ذباباً ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون: إنهم صنعوا آدمياً آلياً ما يستطيعون أن يخلقوا ذبابة، هذا الآدمي الآلي ما هو إلا آلات تتحرك فقط، لكن لا تجوع، ولا تعطش، ولا تحتر، ولا تبرد، ولا تتحرك إلا بتحريك، الذباب لا يمكن أن يخلقه كل من سوى الله، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق وبماذا يخلق؟ بكلمة واحدة (( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون )). (( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )). كلمة واحدة، الخلائق كلها تموت وتفنى وتأكلها الأرض، وتأكلها السباع، وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زجرها الله زجرة واحدة أخرجي فتخرج. (( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة )). (( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون )). كل العالم من إنس وجن، ووحوش وحشرات وغيرها كلها يوم القيامة تحشر بكلمة واحدة. إذن فالله عز وجل وحده هو الخالق ولا أحد يخلق معه، والخلق لا يعسره ولا يعجزه وهو سهل عليه ويكون بكلمة واحدة. وقوله (( فسوى )) خلق فسوى ، يعني سوى ما خلقه على أحسن صورة، وعلى الصورة المناسبة، الإنسان مثلاً قال الله تعالى في سورة الانفطار: (( الذي خلقك فسواك فعدلك. في أي صورة ما شاء ركبك )). (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )). لا يوجد في الخلائق شيء أحسن من خلقة الإنسان، رأسه فوق، وقلبه في الصدر، وعلى هيئة تامة، ولهذا أول من يدخل في قوله: (( فسوى )) هو تسوية الإنسان (( الذي خلق فسوى )) كل شيء يسوى على الوجه الذي يكون لائقاً به.