تفسير قوله تعالى:" والذي قدر فهدى " حفظ
(( والذي قدر فهدى )) قدر كل شيء عز وجل كما قال تعالى: (( وخلق كل شيء فقدره تقديراً )). قدره في حاله، وفي مآله، في ذاته، وفي صفاته، كل شيء له قدر محدود، فالآجال محدودة، والأحوال محدودة، والأجسام محدودة، كل شيء مقدر تقديراً كما قال تعالى: (( وخلق كل شيء فقدره تقديراً )). وقوله: (( فهدى )) يشمل الهداية الشرعية، والهداية الكونية، الهداية الكونية: أن الله هدى كل شيء لما خلق له، قال فرعون لموسى: (( فمن ربكما يا موسى. قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى )). تجد كل مخلوق قد هداه الله تعالى لما يحتاج إليه، فالطفل الآن ـ انظر إلى الطفل ـ إذا خرج من بطن أمه وأراد أن يرضع يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه، وانظر إلى أدنى الحشرات النمل مثلاً أين تضع بيوتها ؟ لا تضع بيوتها إلا في مكان مرتفع من الأرض على ربوة من الأرض ، لماذا ؟ تخشى من السيول تدخل بيوتها فتفسدها، أيضاً إذا جاء المطر وكان في جحورها، أو في بيوتها طعام من الحبوب تخرج به إذا طلعت الشمس تنشره لماذا ؟ لئلا يعفن، وهي قبل أن تدّخره تأكل أطرافها أطراف الحبة لئلا تنبت فتفسد عليهم، هذا الشيء مشاهد مجرب من الذي هداها لذلك؟ هداها الله عز وجل، هذه هداية كونية: أنه هدى كل مخلوق لما يحتاج إليه. أما الهداية الشرعية ـ وهي الأهم بالنسبة لبني آدم ـ فهي أيضاً بينها الله عز وجل حتى الكفار قد هداهم الله يعني بيّن لهم، قال الله تعالى: (( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى )). والعياذ بالله استحبوا الكفر على الإيمان والهداية الشرعية هي المقصود من حياة بني آدم (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )). وإنما أخبرنا الله بذلك لأجل أن نلجأ إليه في جميع أمورنا، إذا علمنا أنه هو الخالق بعد العدم وأصابنا المرض إلى من نلجأ ؟ إلى الله ـ نلجأ إلى الله ـ لأن الذي خلقك وأوجدك من العدم قادر على أن يصحح بدنك، إذاً إلجأ إلى ربك، اعتمد عليه، ولا حرج أن تتناول ما أباح لك من الدواء، لكن مع اعتقاد أن هذا الدواء مثلاً سبب من الأسباب جعله الله عز وجل، وإذا شفيت بهذا السبب فمن الذي شفاك الله عز وجل، هو الذي جعل هذا الدواء سبباً لشفائك، ولو شاء لجعل هذا الدواء سبباً لهلاكك، فإذا علمنا أن الله هو الخالق فنحن نلجأ في أمورنا كلها إلى الله عز وجل، إذا علمنا أنه هو الهادي فإننا نستهدي بهدايته، بشريعته حتى نصل إلى ما أعد لنا ربنا عز وجل من الكرامة. نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم وأن يحلنا وإياكم دار كرامته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين