تفسير قوله تعالى:" سيذكر من يخشى. ويتجنبها الأشقى. الذي يصلى النار الكبرى. ثم لا يموت فيها ولا يحيى " حفظ
وقول الله تبارك و تعالى في سورة الأعلى (( سيذكر من يخشى. ويتجنبها الأشقى )) إلى آخره ، أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكّر فقال (( فذكر إن نفعت الذكرى ) ثم قال (( سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى )) فبيّن تعالى أن الناس ينقسمون بعد الذكرى إلى قسمين: القسم الأول: من يخشى الله عز وجل، أي يخافه خوفاً عن علم لعظمة الخالق جل وعلا، فهذا إذا ذكّر بآيات ربه تذكر كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: (( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمًّا وعمياناً )). فمن يخشى الله ويخاف الله إذا ذكر ووعظ بآيات الله اتعظ وانتفع. أما القسم الثاني: فقال: (( ويتجنبها الأشقى )) أي يتجنب هذه الذكرى ولا ينتفع بها الأشقى و(( الأشقى )) هنا اسم تفضيل من الشقاء وهو ضد السعادة كما في سورة هود: (( فأما الذين شقوا ففي النار )). (( وأما الذين سعدوا ففي الجنة )). فالأشقى ـ والعياذ بالله ـ المتصف بالشقاوة يتجنب الذكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو البالغ في الشقاوة غايتها وهذا هو الكافر، فإن الكافر يذكر ولا ينتفع بالذكرى، ولهذا قال: (( الذي يصلى النار الكبرى. ثم لا يموت فيها ولا يحيى )) الذي يصلى النار الموصوفة بأنها (( الكبرى )) وهي نار جهنم، لأن نار الدنيا صغرى بالنسبة لها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أن نار الدنيا جزء من سبعين جزءاً من نار الآخرة )، أي أن نار الآخرة فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءاً، والمراد بنار الدنيا كلها أشد ما يكون من نار الدنيا فإن نار الآخرة فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً ولهذا وصفها بقوله: (( النار الكبرى )) ثم إذا صلاها (( لا يموت فيها ولا يحيى )) المعنى لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة سعيدة، وإلا فهم أحياء في الواقع لكن أحياء يعذبون (( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها )). كما قال الله عز وجل (( ونادوا يا مالك )) وهو خازن النار (( ليقض علينا ربك )) يعني ليهلكنا ويريحنا من هذا العذاب (( قال إنكم ماكثون )) ولا راحة ويقال لهم: (( لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون )). هذا معنى قوله: (( لا يموت فيها ولا يحيى )) لأنه قد يشكل على بعض الناس كيف يكون الإنسان لا حي ولا ميت؟ والإنسان إما حي وإما ميت؟ فيقال: لا يموت فيها ميتة يستريح بها، ولا يحيى حياة يسعد بها، فهو ـ والعياذ بالله ـ في عذاب وجحيم، وشدة يتمنى الموت ولكن لا يحصل له، هذا هو معنى قوله تعالى: (( ثم لا يموت فيها ولا يحيى )). وقد سبق الكلام على قوله تعالى (( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى )) ، وبينا أن المراد بقوله تزكى أي بنفسه أي زكاها وأخرجها من رجس الشرك إلى زكاة التوحيد . وقول الله تبارك وتعالى : (( فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ))