تفسير قوله تعالى:" تسقى من عينٍ آنيةٍ " حفظ
(( تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع ))، لما بين مكانهم والعياذ بالله ، وأنهم في نار جهنم الحامية، بين طعامهم وشرابهم فقال: (( تسقى )) أي هذه الوجوه (( من عين آنية )) أي شديدة الحرارة، هذا بالنسبة لشرابهم، ومع هذا لا يأتي هذا الشراب بكل سهولة، أو كلما عطشوا سقوا، لا وإنما يأتي كلما اشتد عطشهم واستغاثوا كما قال تعالى: (( وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب )). هذا الماء إذا قرب من وجوههم شواها وتساقط لحمها، وإذا دخل في أجوافهم ، يقول عز وجل: (( وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعائهم )). إذن لا يستفيدون منه لا ظاهراً ولا باطناً، لا ظاهراً بالبرودة يبرد الوجوه، ولا باطناً بالري، ولكنهم ـ والعياذ بالله ـ يغاثون بهذا الماء ولهذا قال: (( تسقى من عين آنية )). فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادة أن الماء يطفئ النار؟ أليس كذلك ، فالجواب: أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، لو أنها قيست بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصور كيف يكون، أليس الشمس تدنو يوم القيامة من رؤوس الناس على قدر ميل، والميل إما ميل المكحلة وهو نصف الإصبع أو ميل المسافة كيلو وثلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنه لو كانت الآخرة كالدنيا لشوت الناس شيًّا، لكن الآخرة لا تقاس بالدنيا. أيضاً يحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد، منهم من هو في ظلمة شديدة، ومنهم من هو في نور (( نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم )). يحشرون في مكان واحد ويعرقون، منهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حِقويه، ومع ذلك هم في مكان واحد. إذن أحوال الآخرة لا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا. فلو قال قائل كيف يكون الماء في النار ؟ قلنا أولاً: أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا . ثانياً: أن الله على كل شيء قدير، ها نحن الآن نجد أن الشجر الأخضر توقد منه النار كما قال تعالى: (( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون )). الشجر الأخضر رَطِب، ومع ذلك إذا ضرب بعضه ببعض، أو ضرب بالزند انقدح خرج منه نار حارة يابسة، وهو رطب بارد، فالله على كل شيء قدير، فهم يسقون من عين آنية في النار ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل.