تفسير قوله تعالى:" فذكر إنما أنت مذكر " حفظ
ثم قال عز وجل لما بين من آياته هذه الآيات الأربع: الإبل، والسماء، والجبال، والأرض قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم (( فذكر )) أمره الله أن يذكر ولم يخصص أحداً بالتذكير، أي لم يقل ذكّر فلاناً وفلاناً فالتذكير عام، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بُعث إلى الناس كافة، ذكّر كل أحد في كل حال وفي كل مكان، فذكّر النبي عليه الصلاة والسلام، وذكّر خلفاؤه من بعده الذين خلفوه في أمته في العلم والعمل والدعوة، ذكّروا، ولكن هذه الذكرى هل ينتفع بها كل الناس؟ الجواب: لا، (( ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )). أما غير المؤمن فإن الذكرى تقيم عليه الحجة لكن لا تنفعه، لا تنفع الذكرى إلا المؤمن، ونقول إذا رأيت قلبك لا يتذكر بالذكرى فاتهمه، ليش ؟ لعدم الإيمان لعدم الإيمان ، لأن الله يقول: (( ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )) فإذا ذُكرت ولم تجد من قلبك تأثراً وانتفاعاً فاتهم نفسك، واعلم أن فيك نقص إيمان، لأنه لو كان إيمانك كاملاً لانتفعت بالذكرى، لابد أن تنفع المؤمن. (( إنما أنت مذكر )) يعني أن محمداً عليه الصلاة والسلام ليس إلا مذكراً مبلغاً، وأما الهداية فبيد من ؟ بيد الله عز وجل، (( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء )). وقد قام صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالذكرى والتذكير إلى آخر رمق من حياته حتى أنه في آخر حياته يقول: ( الصلاة، الصلاة وما ملكت أيمانكم )، حتى جعل يغرغر بها عليه الصلاة والسلام، فذكّر صلوات الله وسلامه عليه منذ بعث وقيل له (( قم فأنذر )). إلى أن توفاه الله، لم يأل جهداً في التذكير في كل موقف، وفي كل زمان على ما أصابه من الأذى من قومه ومن غير قومه، والذي قرأ منكم التاريخ ـ السيرة النبوية ـ يعرف ما جرى له من أهل مكة من قومه الذين هم أقرب الناس إليه، والذين كانوا يعرفونه، ويسمونه بالأمين يلقبونه بذلك ويثقون به حتى حكّموه في وضع الحجر الأسود في الكعبة حينما هدموا الكعبة ووصلوا إلى حد الحجر قالوا من ينصب الحجر، فتنازعوا بينهم كل قبيلة تقول نحن الذين نتولى وضع الحجر في مكانه، حتى جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحكّموه فيما بينهم وأمر أن يوضع رداء وأن تمسك كل طائفة من هذه القبيلة أن يمسك كل واحد من هذه القبائل بطرف من هذا الرداء حتى يرفعوه، فإذا حاذوا محله أخذه هو بيده الكريمة ونصبه في مكانه، فكانوا يسمونه بالأمين لكن لما أكرمه الله تعالى بالنبوة انقلبت المعايير، فصاروا يقولون إنه ساحر وكاهن وشاعر ومجنون وكذاب، ورموه بكل سب، فالرسول عليه الصلاة والسلام يذكّر وليس عليه إلا التذكير، ومن هنا نأخذ أننا نحن لا يجب علينا أن نهدي الخلق ولا يمكننا أن نهدي الخلق أبداً ، لا يمكن أن نهدي أقرب الناس إلينا (( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )). فلا نجزع إذا ذكّرنا إنساناً ووجدناه يعاند، أو يخاصم، أو يقول من أعرف من ، أنا أعمل ما شئت، أو ما أشبه ذلك. قال الله تعالى لنبيه: (( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين )). لا تهلك نفسك إذا لم يؤمنوا، إيمانهم لهم وكفرهم ليس عليك .