تفسير قوله تعالى:" لا أقسم بهذا البلد " والكلام على القسم وحروفه حفظ
يقول الله عز وجل : :(( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) ، )) لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ . وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ((، ولي تعريجة يسيرة على ما سبق في الدرس الماضي في قوله تعالى: (( فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد، ولا يُوثَق وثاقه أحد ): فإني قرأتها هكذا- بالفتح- وفسرتها على هذه القراءة لأن في الآيتين المذكورتين قرائتين: القراءة الأولى التي في المصحف: (( فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد، ولا يُوثَق وثاقه أحد ))- بالكسر-: أي لا يعذب عذاب الله أحد بل عذاب الله أشد، ولا يوثق وثاق الله أحد بل هو أشد. أما على قراءة: (( لا يعذّب عذابه أحد، ولا يُوثَق وثاقه أحد )) - بالفتح-: أي لا يعذب عذاب هذا الرجل، ولا يوثق وثاق هذا الرجل، وهذا هو الذي قرأنا به الآية عليه وفسرناها به، لأجل هذا جرى التنبيه. يقول الله عز وجل :(( لا أقسم بهذا البلد )): (( لا )) هذه للاستفتاح، أي: استفتاح الكلام وتوكيد الكلام، وليست نافية، لأن المراد إثبات القسم، يعني أنا أقسم بهذا البلد لكن (( لا )) هذه تأتي هنا للتنبيه والتأكيد و(( أقسم )): القسم تأكيد الشيء بذكر معظم على وجه مخصوص. إذا كل شيء محلوف به لابد أن يكون معظماً لدى الحالف، وقد لا يكون معظمًا في حد ذاته. فمثلاً الذين يحلفون باللات والعزّى هي معظمة عندهم، لكن هي في الواقع ليست عظيمة ولا معظمة. فالحلف إذاً، أو القسم، أو اليمين المعنى واحد، هي تأكيد الشيء بذكر معظم عند من؟ عند الحالف على صفة مخصوصة. وحروف القسم هي: الباء، والواو، والتاء، والذي في الآية الكريمة هنا (( لا أقسم بهذا البلد )) أي الحروف؟ (( الباء )). (( بهذا البلد )) البلد هنا مكة، وأقسم الله بها لشرفها وعظمها، فهي أعظم بقاع الأرض حرمة وأحب بقاع الأرض إلى الله عز وجل، ولهذا بعث منها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم الذي هو سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه،