تفسير سورة الشرح: قال الله تعالى:" ألم نشرح لك صدرك " والكلام على شرح الصدر بالعبادة (وهذا أمر شرعي) وذكر قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز حفظ
قال الله سبحانه وتعالى مبيناً نعمته على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: (( ألم نشرح لك صدرك )): وهذا الاستفهام يقول العلماء إنه استفهام تقرير، واستفهام التقرير يرد في القرآن كثيراً، ويقدّر الفعل بفعل ماضٍ مقرون بقد. ففي قوله (( ألم نشرح لك )) يقدّر بأن المعنى قد شرحنا لك صدرك، لأن الله يقرر أنه شرح له صدره، وهكذا جميع ما يمر بك من استفهام التقرير فإنه يقدر بفعل ماضٍ مقرون بقد، أما كونه يقدر بفعل ماضٍ، فلأنه قد تم وحصل، وأما كونه مقروناً بقد، فلأن قد تفيد التحقيق إذا دخلت على الماضي، وتفيد التقليل إذا دخلت على المضارع، وقد تفيد التحقيق، ففي قول الناس: " قد يجود البخيل " قد هذه للتقليل، لكن في قوله تعالى: (( قد يعلم ما أنتم عليه )). هذه للتحقيق ولا شك. يقول الله عز وجل: (( ألم نشرح لك صدرك )) أي: نوسعه، وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسيًّا، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل ، حكم الله الشرعي وهو الدين، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان، وذلك لأن الشرع فيه مخالفة للهوى، الشرع فيه مخالفة للهوى، فيجد الإنسان ثقلاً في تنفيذ أوامر الله، وثقلاً في اجتناب محارم الله، لماذا؟ عندكم هذا الجواب، لأنه مخالف للهوى، هوى النفس الأمارة بالسوء لا تنشرح لأوامر الله ولا لنواهيه، تجد بعض الناس تثقل عليه الصلاة كما قال الله تعالى في المنافقين: (( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ))، ومن الناس من تخف عليه الصلاة بل يشتاق إليها ويترقب حصولها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( جعلت قرة عيني في الصلاة )، إذاً فالشرع فيه ثقل على النفوس، كاجتناب المحرمات، فبعض الناس يهوى أشياء محرمة عليه كالزنا وشرب الخمر وما أشبه ذلك فتثقل عليه، ومن الناس من ينشرح صدره لذلك ويبتعد عما حرم الله، وانظر إلى يوسف عليه الصلاة والسلام لما دعته امرأة العزيز بعد أن غلقت الأبواب وقالت: هيت لك وتهيأت له بأحسن ملبس وأحسن صورة، والجو خال، والمكان آمن أن يدخل أحد، غلقت الأبواب، وقالت: هيت لك، ماذا قال؟ معاذ الله، استعاذ بربه لأن هذه حال حرجة، شاب وامرأة العزيز، ومكان خالٍ وآمن، والإنسان بشر ربما تسوّل له نفسه أن يفعل ولهذا قال: (( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ))، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )، والشاهد من هذا قوله: ( رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ) فأقول: شرح الصدر للحكم الشرعي معناه قبول الحكم الشرعي والرضا به وامتثاله، وأن يقول القائل سمعنا وأطعنا، وأنت بنفسك أحياناً تجد قلبك منشرحاً للعبادة تفعلها بسهولة وانقياد وطمأنينة ورضا، وأحياناً بالعكس لولا خوفك من الإثم ما فعلت، فإذا كان هذا الاختلاف في الشخص الواحد فما بالك بالأشخاص.