خطر الذنوب على الإنسان ووجوب التوبة منها حفظ
فالحاصل أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره، وبيّن أن هذا الوزر قد أنقض ظهره أي أقضه وأتعبه، وإذا كان هذا وزر الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف بأوزار غيره، أوزارنا تقض ظهورنا وتنقضها وتتعبها، ولكن كأننا لم نحمل شيئاً، كأننا لم نحمل شيئا وذلك لضعف إيماننا وبصيرتنا وكثرة غفلتنا، نسأل الله أن يعاملنا بالعفو، في بعض الآثار أن المؤمن إذا أذنب ذنباً صار عنده كالجبل فوق رأسه وإن المنافق إذا أذنب ذنباً صار عنده كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا، يعني أنه لا يهتم، فالمؤمن تهمه خطاياه وتلحقه الهم حتى يتخلص منها بتوبة واستغفار، أو حسنات جليلة تمحو آثار هذه السيئة، وأنت إذا رأيت من قلبك الغفلة عن ذنوبك فاعلم أن قلبك مريض، لأن القلب الحي لا يمكن أن يرضى بالمرض، ومرض القلوب هي الذنوب كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذل إدمانها ، وترك الذنوب حياة القلـوب *** وخير لنفسك عصيانها، على كل حال أنا أقول: يجب علينا - وأوجه هذا القول لنفسي وأسأل الله أن يعينني عليه، أوجهه لنفسي قبلكم ونسأل الله العون للجميع - أقول أنه يجب علينا أن نهتم بأنفسنا وأن نحاسبها، وإذا كان التجار لا ينامون حتى يراجعوا دفاتر تجارتهم، ماذا صرفوا، وماذا أنفقوا، وماذا كسبوا، فإن تجار الآخرة ينبغي أن يكونوا أشد اهتماماً، لأن تجارتهم أعظم، تجارة أهل الدنيا، ماذا تفيدهم؟ غاية ما تفيدهم إن أفادتهم هو إتراف البدن فقط، على أن هذه التجارة يلحقها من الهم والغم ، وإذا خسر في سلعة اهتم لذلك، وإذا كان في بلده مخاوف: قطاع طريق، أو سراق صار أشد قلقاً، لكن تجارة الآخرة على العكس من هذا : (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار )). تنجي من العذاب، ويغفر الله بها الذنوب، ويدخل بها الجنات، جنات عدن أي جنات إقامة، ومساكن طيبة في جنات عدن، مساكن طيبة في بنايتها وفي مادة البناء، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما )، والله لو يبقى الإنسان في سجدة منذ بلغ إلى أن يموت لكان هذا ثمناً قليلاً بالنسبة إلى هذه الغنيمة العظيمة، ولو لم يكن إلا أن ينجو الإنسان من النار لكفى، أحياناً الإنسان يفكر يقول ليتني لم أولد أو يكفيني أن أنجو من النار، وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " ليتني شجرة تعضد، ليت أمي لم تلدني "، لأن الإنسان يخاف، قد يظن أنه آمن الآن لأنه يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويحج ويبر الوالدين وما أشبه ذلك، لكن قد يكون في قلبه - نسأل الله السلامة والعافية - حسيكة تؤدي إلى سوء الخاتمة، ـ والعياذ بالله ـ كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ) يعني مدة قريبة لموته ما هو إلا ذراع في العمل، لأن عمله كله هباء، هو يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار كما جاء في الحديث الصحيح، لكن قوله: ( حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ) ليس معناه أن عمله أوصله إلى قريب من الجنة، لا، المعنى حتى لا يبقى عليه إلا مدة قليلة في الحياة ( ثم يعمل بعمل أهل النار فيدخلها ) لكن هذا فيما إذا كان عمل الإنسان للناس كما قال عليه الصلاة والسلام: ( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار )، فالإنسان إذا مر على مثل هذه النصوص يخاف على نفسه، يخاف من الرياء، يخاف من العجب، يخاف من الإدلال على الله بعمله، فنسأل الله تعالى أن يحمينا وإياكم من سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
انتهينا من قوله تعالى: (( ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك . الذي أنقض ظهرك ))،