تفسير قوله تعالى:" فليدع ناديه. سندع الزبانية " ذكر قصة أبي جهل حفظ
(( فليدع ناديه. سندع الزبانية )): اللام هنا للتحدي، يعني إن كان صادقاً وعنده قوة، وعنده قدرة فليدع ناديه، والنادي هو مجتمع القوم للتحدث بينهم والتخاطب والتفاهم والاستئناس بعضهم ببعض، وكان أبو جهل معظمًا في قريش، وله نادي يجتمع الناس إليه فيه، ويتكلمون في شؤونهم فهنا يقول الله عز وجل إن كان صادقاً فليدع ناديه، وهذا لا شك أنه تحدي، كما تقول لعدوك إن كان لك قوم فتقدم وما أشبه ذلك من الكلمات الدالة على التحدي. (( سندع الزبانية )) يعني عندنا من هم أعظم من نادي هذا الرجل وهم الزبانية ملائكة النار - نسأل الله العافية -، وقد وصف الله تعالى ملائكة النار بأنهم غلاظ شداد، غلاظ في الطباع، شداد في القوة (( لا يعصون الله ما أمرهم )). بل يمتثلون كل ما أمرهم الله به (( ويفعلون ما يؤمرون )) لا يعجزون عن ذلك فوصفهم بوصفين أنهم في تمام الانقياد لله عز وجل (( لا يعصون الله ما أمرهم )) وأنهم في تمام القدرة (( ويفعلون ما يؤمرون )) وعدم تنفيذ أمر الله عز وجل إما أن يكون للعجز، وإما أن يكون للمعصية، فمثلاً الذي لا يصلي الفرض قائماً قد يكون للعجز، وقد يكون للعناد فهو لا ينفذ أمر الله، لكن الملائكة الذين على النار ليس عندهم عجز، عندهم قوة وقدرة، وليس عندهم استكبار عن الأمر، بل عندهم تمام التذلل والخضوع، هؤلاء الزبانية لا يمكن لهذا وقومه وناديه أن يقابلوهم أبداً ولهذا قال: (( سندع الزبانية )) فإن قال قائل: أين الواو في قوله (( سندع )) ؟ قلنا: إنها محذوفة لالتقاء الساكنين، لأن الواو ساكنة والهمزة همزة الوصل ساكنة، وإذا التقى ساكنان فإنه إن كان الحرف صحيحاً كسر، وإن كان غير صحيح حذف، قال ابن مالك رحمه الله في الكافية: إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق *** وإن يكن ليناً فحذفه استحق ، يعني إذا التقى ساكنان إن كان الحرف الأول صحيحاً ليس من حروف العلة كسر مثل قوله تعالى: (( لم يكن الذين كفروا )) وأصلها (( لم يكنْ )) لأن لم إذا دخلت على الفعل جزمته كما في قوله تعالى: (( ولم يكن له كفواً أحد )) لكن هنا التقى ساكنان، وكان الأول حرفاً صحيحاً فكسر، أما إذا كان الأول حرف لين، يعني حرف من حروف العلة فإنه يحذف كما في هذه الآية (( سندع الزبانية )).