تفسير قوله تعالى:" جزاؤهم عند ربهم جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار " وذكرأنواع أنهار الجنة وصفاتها حفظ
ثم بين جزاءهم فقال: (( جزاؤهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار )) وهنا قدم الله الثناء على المؤمنين الذين عملوا الصالحات على ذكر جزائهم، لأن ثناء الله عليهم أعظم مرتبة وأعلى منقبة، فلذلك قدمه على الجزاء الذي هو جزاؤهم في يوم القيامة (( جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار )) (( جنات )) جمعها لاختلاف أنواعها، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: إن الجنات ( جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما )، وإلى هذا يشير قول الله تعالى: (( ولمن خاف مقام ربه جنتان )). ثم ذكر أوصاف هاتين الجنتين، ثم قال: (( ومن دونهما جنتان )). فلهم جنات والجنات التي ذكرها الله تعالى جزاء للمؤمنين العاملين الصالحات هي عبارة عن منازل عظيمة أعدها الله عز وجل للمؤمنين المتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولا يمكن لإنسان في هذه الدنيا أن يتصور كيف نعيم الآخرة أبداً، لأنه أعلى وأجل مما نتصور، قال ابن عباس رضي الله عنهما " ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء "، لكنها الحقائق تختلف اختلافاً عظيماً، قال عز وجل: (( جنات عدن )) العدن بمعنى الإقامة في المكان وعدم النزوح عنه، ومن تمام نعيم أهل الجنة أن كل واحد منهم لا يطلب تحولاً عما هو عليه من النعيم، لأنه لا يرى أن أحداً أكمل منه، ولا يحس في قلبه أنه في غضاضة بالنسبة لمن هو أرقى منه وأكمل، قال الله تبارك وتعالى: (( لا يبغون عنها حولاً )). أي لا يبغون تحولاً عما هم عليه لأن الله تعالى قد أقنعهم بما أعطاهم فلا يجدون أحداً أكمل نعيماً منهم، ولهذا سمى الله تعالى هذه الجنات جنات عدن - أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها - .(( تجري من تحتها الأنهار )) (( من تحتها )) قال العلماء: من تحت قصورها وأشجارها وإلا فهو على سطحها وليس أسفل، إنما هو من تحت هذه القصور والأشجار، والأنهار التي ذكرها الله عز وجل هنا مجملة فصلها في سورة محمد فقال: (( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى )). هذه الأنهار وقد جاء في الآثار من وصف هذه الأنهار أنها تجري بغير أخدود وبغير خنادق بمعنى أن النهر يجري على سطح الأرض يتوجه حيث وجهه الإنسان، ولا يحتاج إلى شق خنادق، ولا إلى بناء أخدود تمنع سيلان الماء يميناً وشمالاً، وفي هذا يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه النونية: أنهارها من غير أخدود جرت *** سبحان ممسكها عن الفيضان،